وممّا يشهد بعدالته تأمير أمير المؤمنين عليه السلام إيّاه تارة : في صفّين ؛ على كندة وحضرموت وقضاعة. واخرى : بعد صفّين ؛ عقد له على أربعة آلاف ، وسرّحه لردّ غارة الضحّاك بن قيس الفهري على أطراف العراق ، فسار مغذا (*) في إثره والضحاك بين يديه ، حتى لحقه بناحية تدمر (**) ، فقاتله وقتل من أصحابه تسعة ، ثم حجز الليل بينهم ، فلما أصبحوا لم يجدوا للضحّاك أثرا ، وارتحل إلى الشام (١).
فإنّه لا يعقل تأميره عليه السلام غير العدل الثقة المأمون.
ثم إنّي قد تنبّهت في المقام على إشكال زعمت أوّلا انفرادي فيه ، ثم عثرت على التفات الميرزا رحمه اللّه أيضا إليه ، وهو : أنّك قد سمعت أنّ الشيخ رحمه اللّه
__________________
(*) أي مسرعا. [منه (قدّس سرّه)].
وجاء في المصدر. أقول : جاء في الصحاح ٥٦٧/٢ : الإغذاذ في السير : الإسراع. وانظر : لسان العرب ٥٠١/٣.
(**) تدمر ـ كتنصر نقلا مضارعا ـ مدينة قديمة ببلاد الشام ، يقال : بنيت لسليمان ، وهي لا تزال خرابا. [منه (قدّس سرّه)]. انظر : معجم البلدان ١٧/٢ ـ ١٩.
(١)
حجر بن عديّ والضحاك بن قيس
ذكر الطبري في تاريخه ١٣٥/٥ في حوادث سنة تسع وثلاثين ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١١٦/٢ ، وابن الأثير في تاريخه المسمّى ب : الكامل ٣٧٧/٣ ، والثقفي في الغارات ٤١٦/٢ .. وغيرهم : إنّ معاوية وجّه الضحّاك بن قيس وأمره أن يمرّ بأسفل واقصة ، وأن يغير على كل من مرّ به ممّن هو في طاعة عليّ [عليه السلام] من الأعراب ، ووجّه معه ثلاثة آلاف رجل .. إلى أن قال : فلمّا بلغ ذلك عليا [عليه السلام] سرّح حجر بن عديّ الكندي في أربعة الآلاف وأعطاهم خمسين خمسين ، فلحق الضحّاك بتدمر ، فقتل منهم تسعة عشر رجلا ، وقتل من أصحابه رجلان ، وحال بينهم الليل ، فهرب الضحاك وأصحابه ورجع حجر ومن معه.