توبة من باع دنياه بآخرته ، بعد ظهور مغلوبيّة سيده ، وربح أعداء اللّه تعالى. ولا يعقل من سيّد الكرماء صلوات اللّه عليه أن لا يقبل توبة مثل هذا الرجل ، الذي فداه بمهجته ، وأيتم أطفاله ، وأرمل عياله ، لمحبّته عليه السلام.
هذا مع أنّ خروجه لم يكن لمحاربة الحسين عليه السلام ليقع الكلام في توبته وقبولها.
وقد روى ابن جرير الطبري (١) وغيره من المؤرّخين أنّه قال
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤٢٧/٥ ، وذكر في تاريخه ٤٠٢/٥ مكالمته مع الحرّ عند أوّل لقائه ، فقال الحسين [عليه السلام] للحر : «ثكلتك امّك ما تريد؟» قال : أما واللّه لو غيرك من العرب يقولها لي ـ وهو على مثل الحال التي أنت عليها ـ ما تركت ذكر امّه بالثكل أن أقوله كائنا من كان .. ولكن واللّه ما لي إلى ذكر امّك من سبيل إلاّ بأحسن ما يقدر عليه ..
وفي صفحة : ٤٠٤ ـ بعد أن ذكر خطبة الحسين عليه السلام وكلام زهير بن القين ـ قال : فدعا له الحسين [عليه السلام] ، ثم قال له خيرا ، وأقبل الحرّ يسايره وهو يقول له : يا حسين! إنّي أذكّرك اللّه في نفسك ، فإنّي أشهد لئن قاتلت لتقتلن ، ولئن قوتلت لتهلكنّ فيما أرى ، فقال له الحسين [عليه السلام] : «أفبالموت تخوّفني! وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني! ما أدري ما أقول لك! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمّه ـ ولقيه وهو يريد نصرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم ـ فقال له : أين تذهب؟ فإنّك مقتول ، فقال :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى |
|
إذا ما نوى حقّا وجاهد مسلما |
وآسى الرجال الصالحين بنفسه |
|
وفارق مثبورا يغشّ ويرغما» |
قال : فلمّا سمع ذلك منه الحرّ تنحّى عنه ، وكان يسير بأصحابه في ناحية وحسين [عليه السلام] في ناحية اخرى ، ثم يذكر مسيرهم إلى أن انتهوا إلى كربلاء ... إلى أن ينتهي في الكلام إلى زحف ابن سعد يوم عاشوراء ، وقال في صفحة : ٤٢٧ ـ ٤٢٩ : قال أبو مخنف : عن أبي جناب الكلبي ، عن عديّ بن حرملة ، قال : ثم إنّ الحرّ بن يزيد لمّا زحف عمر بن سعد ، قال له : أصلحك اللّه! مقاتل أنت هذا الرجل؟ قال : إي واللّه قتالا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي ، قال : أفما لكم في واحدة من الخصال التي