وأقول : ينافي ذلك اعتذاره فيما يأتي عن الشهادة بحديث الغدير بالكبر والنسيان ، فإنّه على ما سمعت يكون عمره عند استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام بين الخمس والثلاثين وبين الأربعين سنة من عمره (١) ، ولا يطلق على مثل ذلك الكبر المورث للنسيان ، لأنّه حدّ الكهولة قبل الشيخوخة.
وعلي أي حال؛فقد روى أنس هذا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله ، وعن فاطمة سلام اللّه عليها ، وعن أبيّ بن كعب ، وسلمان ، وأبي ذرّ ، وعبد اللّه بن عباس ، وذكر روايته عن جماعة كثيرة ، ولم يذكر له رواية عن عليّ عليه السلام مع اتّساع روايته عن الرجال فيدلّ ذلك على انحرافه عنه.
ويساعد على ذلك ما عن ابن أبي الحديد في شرح النهج (٢) من أنّه : ذكر جماعة من مشايخنا البغداديين ، أنّ عدّة من الصحابة والتابعين كانوا منحرفين عن عليّ عليه السلام ، كاتمين لمناقبه حبّا للدنيا ، منهم أنس بن مالك ، ناشد علي عليه السلام الناس في الرحبة : «أيّكم سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه؟» ، فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها ، وأنس بن مالك لم يقم ، فقال له : «يا أنس! ما يمنعك أن تشهد ولقد حضرتها؟» ، فقال : يا أمير المؤمنين (ع)! كبرت ونسيت (٣).
__________________
(١) خدم النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وهو ابن عشر سنين وشهادة أمير المؤمنين عليه السلام في سنة أربعين فعليه يكون عمره قريب الخمسين سنة.
(٢) شرح نهج البلاغة ٧٤/٤ : فصل في ذكر المنحرفين عن عليّ [عليه السلام] ، وذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أنّ عدّة من الصحابة والتابعين والمحدّثين كانوا منحرفين عن عليّ عليه السلام ، قائلين فيه السوء ، ومنهم من كتم مناقبه ، وأعان أعداءه ميلا مع الدنيا ، وإيثارا للعاجلة ، فمنهم أنس بن مالك ، ناشد علي عليه السلام الناس في رحبة القصر ..
(٣) قال ابن قتيبة في المعارف : ٥٨٠ : البرص. أنس بن مالك ، كان بوجهه برص ، وذكر