حتى دخلنا على السيد ـ وإنّ جماعة محدقون به ـ فقعد أبو عبد اللّه عليه السلام عند رأسه ، وقال : «يا سيّد!» ففتح عينيه ينظر إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ولا يمكنه الكلام ، وقد اسودّ وجهه ، فجعل يبكي وعينه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، ولا يمكنه الكلام ، وإنّا لنتبيّن فيه أنّه يريد الكلام ولا يمكنه ، فرأينا أبا عبد اللّه عليه السلام حرّك شفتيه ، فنطق السيّد فقال : «جعلني اللّه فداك ، أبأوليائك يفعل هذا؟!» فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : «يا سيد! قل الحقّ يكشف اللّه ما بك ، ويرحمك ، ويدخلك جنّته التي وعد أولياءه» ، فقال : في ذلك : تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر ...
فلم يبرح أبو عبد اللّه عليه السلام حتّى قعد السيّد على استه (١).
_________________
(١) يظهر جليّا أنّ مرض السيّد رحمه اللّه كان في الكوفة ، وكان الإمام الصادق عليه السلام في الكوفة ، وحضره ودعا له وقد اسودّ وجهه وازرقّت عيناه ، واعتقل لسانه ، فلما دعا له انطلق لسانه ، وقام وجلس وارتجل القصيدة ، وعاش سنين طويلة ، وذلك أنّ الإمام الصادق عليه السلام ارتحل إلى الرفيق الأعلى سنة ١٤٨ وتوفّي السيّد سنة ١٧٣ على قول فيكون قد عاش خمسا وعشرين سنة بعد الإمام عليه السلام وهو معتقد بإمامته مواليا له مستبصرا به نابذا لاعتقاده بالكيسانية ، تاركا لشرب الخمر .. فمحاولة ابن حجر في لسان الميزان ، والصفدي في الوافي بالوفيات في الحطّ عنه بأنّه لقّن الشهادتين فلم يتفوّه بها وقال عوضا عنها : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مٰا يَشْتَهُونَ) ناشئة عن نصبهما وحقدهما عليه ، ولا بدّ لهما من ذلك ، لأنّ تولّيه لأهل البيت ونشر فضائلهم والبراءة من مخالفيهم ونشر فضائحهم لا تروق للنواصب.
وهناك صورة ثانية لهذه الواقعة حيث روى شيخنا الصدوق رضوان اللّه تعالى عليه في إكمال الدين ٣٣/١ ـ ٣٥ (صفحة : ٢٠) حدثنا عبد الواحد بن محمّد العطّار النيسابوري رضي اللّه عنه ، قال : حدثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ، عن حمدان بن سليمان ، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حيّان السرّاج ، قال : سمعت السيّد بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلوّ ، وأعتقد غيبة محمّد بن عليّ ـ ابن الحنفية ـ قد ضللت في ذلك زمانا ، فمنّ اللّه عليّ بالصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام ، وأنقذني به من النار ، وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته ـ بعد ما صحّ