ومن الغريب ما صدر من السيّد الفاضل التفرشي رحمه اللّه في النقد (١) من إشارته إلى هذا التوقيع ، وقوله إنّه : يتضمّن العتب ، وذمّ سيرته ، وإن كان يشتمل على مدحه ، والدعاء له مرّة بعد مرّة. انتهى.
فإنّ فيه : خلوّ التوقيع عن (٢) ذمّه أصلا. نعم ، قوله عليه السلام : «ولقد كانت
__________________
(١) نقد الرجال : ٣٩ برقم ٦ [المحقّقة ١٩٠/١ برقم (٤٠٨)].
(٢) أقول : ينبغي أن نذكر التوقيع بطوله ليتّضح أنّ المقصود بالذم ليس المترجم ، بل المخاطب من كان يعيش بين أظهرهم ، وسياق الكلام وعدول الإمام من ضمير المفرد إلى ضمير الجمع دليل على ما رأيناه ، وليس الذم بوجه من الوجوه يشمل المترجم ، وعليك بالتأمّل في التوقيع ليتّضح لك صحة ما قلناه ، وإليك نص التوقيع في رجال الكشّي : ٥٧٥ ـ ٥٨٠ حديث ١٠٨٨ : حكى بعض الثقات بنيسابور أنّه خرج لإسحاق ابن إسماعيل من أبي محمّد عليه السلام توقيع : «يا إسحاق بن إسماعيل! سترنا اللّه وإيّاك بستره ، وتولاّك في جميع أمورك بصنعه ، قد فهمت كتابك يرحمك اللّه ، ونحن بحمد اللّه ونعمته أهل بيت نرقّ على موالينا ، ونسرّ بتتابع إحسان اللّه إليهم وفضله لديهم ، ونعتدّ بكلّ نعمة ينعمها اللّه عزّ وجلّ عليهم ، فأتمّ اللّه عليكم بالحقّ ، ومن كان مثلك ممّن قدر رحمه اللّه ، ونصره نصرك ، ونزع عن الباطل ولم يعم في طغيانه نعمه ، فإنّ تمام النعمة دخولك الجنة ، وليس من نعمة وإن جلّ أمرها وعظم خطرها إلاّ والحمد للّه تقدّست أسماؤه عليها مؤدّي شكرها ، وأنا أقول : الحمد للّه مثل ما حمد اللّه به حامد إلى أبد الأبد ، بما منّ به عليك من نعمة ، ونجّاك من الهلكة ، وسهّل سبيلك على العقبة ، وأيم اللّه إنّها لعقبة كئود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيم بلاؤها ، طويل عذابها ، قديم في الزبر الأولى ذكرها ، ولقد كانت منكم أمور في أيام الماضي عليه السلام إلى أن مضى لسبيله ، صلّى اللّه على روحه ، وفي أيّامي هذه كنتم فيها غير محمودي الرأي ، ولا مسدّدي التوفيق. وأعلم يقينا يا إسحاق! أنّ من خرج من هذه الحياة الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا ، إنّها يا بن إسماعيل! ليس تعمى الأبصار لكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ في محكم كتابه للظالم : (رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) [سورة طه (٢٠) : ١٢٥] قال اللّه عزّ وجلّ : (كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيٰاتُنٰا فَنَسِيتَهٰا وَكَذٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسىٰ) [سورة طه (٢٠) : ١٢٦] وأيّة آية يا إسحاق!