فقد ظهر من هذا الخلاف بين علمائنا أنّ السفيه هل تبطل وصيّته بالمعروف، أو يكون كالصبي تصحّ وصيّته فيه ؟
و للشافعيّة في السفيه المبذّر طريقان:
أحدهما: تخريج وصيّته إذا كان محجورا على القولين في وصيّة الصبي المميّز.
و أصحّهما: القطع بالصحّة، محجورا كان أو لم يكن؛ لأنّ عبارته صحيحة، ألا ترى أنّ طلاقه يقع، و إقراره بالعقوبات يقبل(١).
الشرط الثاني: الحرّيّة، فلا تصحّ وصيّة العبد إذا مات على العبوديّة.
و لو عتق و ملك ثمّ مات، فوصيّته حال الرقّيّة لاغية أيضا على أقوى الاحتمالين؛ لأنّه لم يكن أهلا للوصيّة حينئذ، و به قال أبو حنيفة و الشافعي في أظهر القولين، و الثاني لهم: الصحّة؛ لأنّه صحيح العبارة و قد أمكن تنفيذ وصيّته(٢).
و المكاتب كالقنّ إن كان مشروطا أو مطلقا و لم يؤدّ شيئا من مال الكتابة.
و لو كان قد أدّى و تحرّر بعضه، صحّت الوصيّة بقدر ما تحرّر منه، و بطلت بقدر ما فيه من الرقّيّة؛ لقول الباقر عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في مكاتب قضى نصف ما عليه فأوصى بوصيّة، فأجاز نصف الوصيّة، و قضى في مكاتب قضى ثلث ما عليه و أوصى بوصيّة، فأجاز ثلث٥.
١- العزيز شرح الوجيز ٧:٧، روضة الطالبين ٩٣:٥.
٢- نهاية المطلب ٢٩٨:١١، الوجيز ٢٦٩:١، الوسيط ٤٠٤:٤، العزيز شرح الوجيز ٧:٧، روضة الطالبين ٩٣:٥.
الوصيّة»(١).
مسألة ٣٣: الكافر تصحّ وصيّته؛ لأنّه عاقل ينفذ عتقه و تمليكه و سائر تصرّفاته الماليّة و هبته فتصحّ وصيّته،
إلاّ أن يوصي بما يمنع الشرع منه، فلو أوصى بخمر أو خنزير لم تنفذ وصيّته، سواء أوصى بهما لمسلم أو ذمّيّ، على إشكال في الذمّي، و الشافعيّة منعوا الوصيّة بهما للذمّي(٢).
و لو أوصى في جهات المعاصي، بطلت وصيّته، كما لو أوصى بعمارة كنيسة مبتكرة، أمّا بتجديدها فلا يجوز عند الشافعيّة(٣) ، و فيه إشكال.
و لو أوصى بكتبة التوراة و الإنجيل أو بقراءتهما، لم تصح.
و لو أوصى بدهن يشعل في البيع و الكنائس، فإن قصد تعظيم البيع لم يجز، و إن قصد انتفاع المقيمين أو المجتازين بضوئها جازت الوصيّة، كما لو أوصى بصرف شيء إلى أهل الذّمّة.
مسألة ٣٤: لو أوصى المسلم بمعصية - كبناء موضع لشرب الخمر أو بيعه أو الفسق أو اللهو أو القمار فيه -
لم تصح وصيّته؛ لأنّ المقصود من شرع الوصيّة تدارك ما فات في حال الحياة من الحسنات، فلا يجوز أن يكون في وجوه المعصية.
و يجوز من المسلم و الكافر الوصيّة بعمارة المسجد الأقصى أو عمارة قبور الأنبياء عليهم السّلام، و كذا عمارة قبور العلماء و الصالحين؛ لما فيها من إحياء الزيارة و التبرّك بها.
و كذا يجوز أن يوصي المسلم و الكافر بفكّ أسارى الكفّار من أيدي
١- التهذيب ٢٢٣:٩-٨٧٦/٢٢٤.
٢- الوسيط ٤٠٤:٤، العزيز شرح الوجيز ٧:٧، روضة الطالبين ٩٣:٥-٩٤.
٣- العزيز شرح الوجيز ٧:٧، روضة الطالبين ٩٣:٥-٩٤.