أفعال اللّه تعالى غير معلّلة بشيء من العلل و الأغراض، و دليل النبوّة إنّما يتمّ بهاتين المقدّمتين، و ذلك لأنّا إذا أردنا أن نستدلّ على نبوّة بعض الأنبياء فإنّا نلتجئ إلى قولنا: إنّ محمّدا عليه السّلام نبيّ؛ لأنه ادّعى النبوّة و ظهر على يده المعجزة المخلوقة للّه تعالى، و كلّ من كان كذلك كان نبيّا مبعوثا من عند اللّه تعالى.
أمّا ادّعاء النبوّة: فظاهر.
و أمّا أنّه ظهر على يده المعجزة: فلأنّه ظهر على يده فعل خارق للعادة لأجل تصديقه، و كلّ من كان كذلك فهو صادق؛ لأنّه لو ادّعى إنسان أنّه رسول الملك لمهمّ له و قال له: أيّها الملك إن كنت صادقا في دعواي فارم قلنسوتك عن رأسك، فرمى الملك قلنسوته عن رأسه و كان ذلك غير عادة للملك، ثمّ قال: أيّها الملك إن كنت صادقا في دعواي فانزع خاتمك من إصبعك، ففعل الملك ذلك، و تكرّر من الملك مثل هذه الأفعال عقيب طلب ذلك الرسول منه لغرض تصديقه، فإنّ كلّ عاقل يجزم بصدق ذلك الرسول و أنّه مبعوث من عند الملك، كذا مدّعي النبوّة إذا ظهر منه الفعل الخارق للعادة الذي لا يمكن للبشر معارضته عقيب ادّعائه مرّة بعد أخرى، فإنّا نجزم بصدقه، و مع عدم القول بالمقدّمتين المذكورتين لا يتمّ هذا الدليل، فإنّ مع القول بنفي الحسن و القبح جاز أن يخلق اللّه تعالى المعجز على يد الكاذب(١) ، فلا يمكن الاستدلال به على الصدق، خصوصا مع قولهم بأنّ كلّ قبيح و كلّ إضلال في العالم فإنّه من فعله، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.».
١- في «ر، ل»: «الكذّاب».