و إن كان قد شرط له أجرة على عمل، فإن استأجره مدّة معلومة ليحفر فيها جاز.
و إن قدّر العمل بغير المدّة، مثل أن يقول: احفر لي كذا و كذا ذراعا، جاز و استحقّ الأجرة.
و أمّا إن جعل الأجرة جزءا من المستخرج، لم تصح الإجارة؛ لجهالة العوض، و يكون له أجرة المثل.
و لو كان ذلك جعالة فقال: إن أخرجت لي شيئا فلك ربعه، أو:
يكون بيننا مناصفة، لم يصح أيضا؛ لأنّ عوض الجعالة يجب أن يكون معلوما، و هذا الجزء مجهول فلم يصح.
نعم، لو عيّن العوض جاز، مثل أن يقول: إن أخرجت لي كذا و كذا فلك عشرة دراهم، فإذا أخرجه استحقّ ذلك.
لا يقال: أليس في المساقاة و القراض يجوز أن يكون العوض مجهولا، و هو أن يشترط المالك له النصف أو الثلث من الربح المعدوم أو من الثمرة المعدومة، و هما مجهولان، فلم لا يجوز هنا؟
لأنّا نقول: الفرق بينهما: أنّ المالك شرط للعامل في المساقاة و القراض جزءا ممّا يكتسبه بالعمل، و هنا جعل له العوض في عمله جزءا من الأصل، فلم يصح، كما لو شرط العامل جزءا من رأس المال.
و لو قال: فما استخرجت فلك منه عشرة دراهم، لم يصح أيضا؛ لأنّه ربما لا يحصل هذا القدر.
المطلب الثالث: في المنافع المشتركة.
كلّ رقبة أرض فإمّا أن تكون مملوكة و منافعها تتبع الرقبة، فلمالكها
الانتفاع بها دون غيره، إلاّ بإذنه بالإجماع، و إمّا أن لا تكون مملوكة، فإمّا أن تكون محبوسة على الحقوق العامّة، كالشوارع و المساجد و المقابر و الرّبط، أو تكون منفكّة عن الحقوق الخاصّة و العامّة، و هي الموات، و المقصود في هذا الفصل هو القسم الأوسط من هذه الثلاثة.
مسألة ١١٦٧: المراد من الشوارع و الغرض بها الاستطراق،
و منفعتها الأصليّة التردّد فيها بالذهاب و العود، و الناس فيها شرع سواء، و يجوز الوقوف و الجلوس فيها لغرض الاستراحة و المعاملة و غيرهما(١) بشرط أن لا يتضرّر بها أحد، و لا يضيق على المارّة، سواء أذن فيه الإمام أو لا؛ لإجماع الناس على ذلك في جميع الأصقاع و الأمصار، و له أن يظلّل على موضع جلوسه بما لا يضرّ المارّة من ثوب أو بارية و نحوهما، و ليس له بناء دكّة فيها، و إذا قام بطل حقّه؛ لأنّ اختصاصه إنّما كان بسبب السبق إلى الجلوس، فإذا قام زال السبب.
و لو استبق اثنان إلى موضع، أقرع بينهما؛ لأنّها أنسب بالعدل، و هو أظهر وجهي الشافعيّة، و الثاني لهم: يقدّم الإمام أحدهما برأيه(٢).
و هل هذا الارتفاق يختصّ بالمسلمين، أو جائز لأهل الذمّة كما جاز للمسلمين ؟ الأقرب: الثاني؛ لأنّ لهم حقّ الاستطراق، فكان لهم حقّ الارتفاق، كالمسلمين.
١- في «ص، ع»: «و نحوهما» بدل «و غيرهما».
٢- المهذّب - للشيرازي - ٤٣٣:١، حلية العلماء ٥٠٩:٥، التهذيب - للبغوي - ٤: ٥٠٠-٥٠١، البيان ٤٢١:٧-٤٢٢، العزيز شرح الوجيز ٢٢٣:٦، روضة الطالبين ٣٥٩:٤.