بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ) (۱) حين كانت الشدة والغلظة أصلح في دعائهم إلى التضرع والخشوع لديهم
واعلم أن الأصلح إذا فعل بالعبد لا يضطره إلى إيجاد الفعل ، وإنما هو تيسر في إيجاده ومعونة عليه ، كما أن القدرة لا تضطر العبد إلى إيجاد الفعل ، وإنما هي تمكين منه وإزاحة للعلة فيه .
فمن نسب الله تعالى إلى أنه تعالى لا يفعل بمن كلفه الأصلح فقد جعله بخيلاً ومقتصداً ، ومن نسبه إلى أن لا يعطي من كلفه القدرة عليها فقد جعله جائراً ظالماً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً
فإن قال قائل : إذا كان قد فعل بجميع خلقه الأصلح فقد ساوى بين وليه وعدوه ، ومن ساوى بينهما فغير حكيم في فعله .
قلنا : إنما التسوية بينهما أن يثيبهما جميعاً ، أو يمدحهما ، أو يفعل بهما جميعاً ما يشتهيانه ويلذهما ، وليس التسوية بينهما أن يفعل بهما ما يكون أدعى إلى طاعته وأزجر عن معصيته .
ألا ترى أن رجلاً لو كان له عبدان قد أطاعه أحدهما وعصاه الآخر ، فقصد إلى الذي أطاعه فمدحه وأعطاه لتزداد بذلك رغبته في طاعته ، ويرغب عبيده في فعلها ، وقصد إلى الآخر فشتمه وعاقبه على ذنبه الذي ارتكبه ليزجره عن معصيته ، ويصير إلى طاعته ، وينزجر غيره أيضاً عن مثل فعله ، لكان قد فعل بكل واحد منهما ما هو أصلح له ، ولم يجز أن يقال مع ذلك : إنه قد ساوى بينهما ، وقد أمر الله تعالى عبديه المؤمن والكافر بالطاعة ، ونهاهما جميعاً عن المعصية ، وأقدرهما على ما كلفهما ، وأزاح عللهما ، ولا يقال مع ذلك أنه قد ساوى بينهما ، إلا أن يراد بالمساواة أنه قد عدل