بطاعته ، فلن يجوز أن يمنع المأمور ما به يصل إليها ، إذا كان قادراً على أن يعطيه إياه وكان بذله لا يضره ، ولا يخرجه من استحقاق الوصف بالحكمة ، ومنعه لا ينفعه .
وكذلك إذا كان له عدو يدعوه إلى موالاته ويحب رجوعه إلى طاعته ، فلن يجوز أن يعامله من الغلظة أو اللين إلا مما (۱) يعلم أنه أنجع فيما يريده منه ، وأدعى له إلى ترك ما هو فيه من عداوته والرجوع إلى ولايته .
فإن عرض له أمران من الشدة والغلظة أو الملاطفة والملاينة ، يعلم أن أحدهما أدعى لعدوه إلى المراجعة والإنابة ، والآخر دون ذلك ، ففعل الدون وترك أن يفعل الأصلح الأدعى ، وكلاهما في قدرته عليهما سواء ، ولا يضره بذلهما ، ولا ينفعه منعهما ، كان عند الحكماء جميعاً مذموماً خارجاً من استحقاق الوصف بالجود والحكمة .
فلما كان هذا فيما بيننا على ما وصفنا ، وكان الله قادراً حكيماً جواداً ، عالماً بمواضع حاجة عباده ، آمراً لهم بطاعته وترك عداوته والرجوع إلى ولايته ، لا يضره الإعطاء ، ولا يلحق به صفة الذم ، ولا ينفعه المنع ، ولا بزيد في ملكه ، علمنا أنه لا يفعل بعباده إلا ما كان أصلح بحالهم في دينهم ، وأدعاها إلى طاعته صحة كان أو سقماً ، لذة كان أو ألماً ، آمنوا أو كفروا ، أطاعوا أم عصوا .
قال الله تعالى لرسوله عليه السلام : ( فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيْنَا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى ) (۲) هذا حين علم أن الدعاء على جهة اللين أصلح له .
ثم قال في موضع آخر : ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ
(۱) ظاهراً : بما ( منه قدس سره ) .
(۲) طه ۲۰ : ٤٤