وترغيب الخلق في اُمور الآخرة ، فاعرض بذلك كثير من الخلائق عن الدنيا ، وصارت تلك الآلة مغرزة بين الحكماء .
وبعد مدة قليلة صار حكيماً محققاً ، بالغاً في الرياضة بصفاء جوهره ، واصلاً إلى مأوى الأرواح ، وسعة السموات ، وكان يقول : إني أسمع نغمات شهية ، وألحانا بهية من الحركات الفلكية ، وتمكنت تلك النغمات في خيالي وضميري ، فوضع قواعد هذا العلم .
وأضاف بعده الحكماء مخترعاتهم إلى ما وضعه ، إلى أن انتهت النوبة إلى أرسطا طاليس ، فتفكر أرسطو فصنع الآرغنون ، وهو آلة لليونانيين تعمل من ثلاثة زقاق كبار من جلود الجواميس ، يضم بعضها إلى بعض ، ويركب على رأس الزق الأوسط زق كبير آخر ، ثم يركب على هذه الزقاق أنابيب لها ثقب على حسب استعمال المستعمل، وكان غرضهم من استخراج قواعد هذا الفن تأنيس الأرواح والنفوس الناطقة إلى عالم القدس لا مجرد اللهو والطرب ، فإنّ النفس قد يظهر فيها باستماع واسطة حسن التأليف وتناسب النغمات بسط فتذكر مصاحبة النفوس العالية ومجاورة العالم العلوي ، وتسمع هذا النداء وهو : ارجعي أيتها النفس الغريقة في الأجسام المدلهمة في فجور الطبع إلى العقول الروحانية والذخائر النورانية والأماكن القدسية (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مقْتَدرِ) (١) ومن رجال هذا الفن من صار له يد طولى كعبـد المؤمن ، فإنّ له فيه شرفية ، وخواجة عبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي ، له فيه كتب عديدة (٢) .
٥٩٢ ـ کتاب اثبات حدوث الإِرادة بالبرهان العقلي : للتحرير النقّاد المولى خليل بن محمّد زمان القزويني ، وفيه شرح حديث عمران
__________________
(١) القمر ٥٤ : ٥٥ .
(٢) كشف الظنون : ٢ : ١٩٠٢ .