كيف انسجم به بحر المديد مع تفعيلة من المتقارب ومن المديد ، وانظر إلى أوّل سورة مريم لترى (فاعلاتن فعلن فعلن فعلن ...) ، واقرأ قوله تبارك وتعالى من سورة الحشر : (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَل) وانظر إلى بحر المتدارك ثمّ ما يتلوه من تركيب تفاعيل أخرى من سائر البحور ، وهذا هو شأن كتاب الله تبارك وتعالى في كلّ سُوَرِهِ وآياته من ألفه إلى يائه ، أي من أوّل سورة الحمد وحتّى سورة الناس.
ولقائل أن يقول : إنّ هذه التفعيلات يمكن أن نعثر عليها في النثر وفي خطب العرب وبيانها.
أقول : نعم إنّ هذه التفعيلات إنّما هي تركيب ، من نفس الكلم العربي ، فهي لا تنفكّ أن تتواجد من أقلّ تركيب ، ولكن أن تنسجم وتأخذ بجميع مفاصل الكلام مع الأوزان الشعرية فهذا ما لا أراه في كلام ولا خطبة من خطب العرب لا في سجعها ولا في نثرها.
وهذا هو ما كان يقرع مسامع العرب آنذاك عند استماعهم إلى القرآن ، فكانوا يتّهمون النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه شاعر ومعلَّم مجنون لما كانوا يرون في نسيج كلام الله العجيب في أسلوبه من أوزان شعرية وتفعيلات متراصّة في كلّ مفاصل الكلام ، قد شكّلت له هذا النظم والوزن الخاصّ الذي كان يأخذ بمجامع قلوبهم فينشدّون إليه فأدهشهم وحيّرهم.
فإنّ هذا الإعجاز البياني مع ما للقرآن من أسمى مراتب الفصاحة والبلاغة ، وما احتواه من قصص وعبر ، وأحكام ، وأمر ونهي ، وسائر تراكيب