مفاصله وتراكيبه وأركانه وتعاريبه ، فقد جاءت آيات الكتاب الحكيم مركّبة من تلكم الأوزان والتفعيلات بحيث إنّك ما مررت بآية إلاّ ووجدتها منسوجة بذلك النسيج ، ورأيت تلك الأوزان والتفعيلات قد أخذت بجميع مفاصل الكلام فنسجت به نسجاً وحبكت به حبكاً ورصّت به رصّاً وشكّلت هندسة خاصّة بها بحيث خرجت من مدار الشعر وموازينه وقلبت كلّ معاييره رأساً على عقب ، فتجاوز كتاب الله قواعد الشعر وميزانه ، وخرق منطقه وفاق بيانه ، وجاء بالعجب العجاب ، وبصناعة عجزت عن مجاراته الألباب ، فهو القول الحقّ وفصل الخطاب ، فنزّله سبحانه تنزيلا وقال : (إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيْلا) من حيث نسجه بحراً وتفعيلا ، فأمر نبيّه(صلى الله عليه وآله) (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيْلاَ) فصار للقرآن ذلك الوزن الخاصّ به وقال عزّ من قائل : (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَه) فكيف ينبغي للحبيب(صلى الله عليه وآله) أن يجعله شعراً وهو بهذا التركيب العجيب.
فانظر إلى البسملة من كلّ سورة لترى كيف انسجمت بها ثلاث تفعيلات من بحر المتدارك وتفعيلة واحدة من بحر المديد ، وانظر إلى الآية الأولى من سورة الفاتحة لترى كيف جاء بها بحر البسيط مخروم الآخر ، والآية الثانية منها كيف جاءت بها تفعيلتان من المتدارك وتفعيلة من المتقارب ، والآية الثالثة من الرجز ، وهكذا امض في كتاب الخالق البارئ لترى العجب العجاب ممّا صنعته يد الإعجاز من تراكيب البحور والتفعيلات ، وانظر إلى قوله تعالى : (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيْهِ هُدَىً لِّلْمُتَّقِيْن) لترى