فعلى هذا لا يمكن للقرآن أن يكون شعراً وإن تكاثرت الأقاويل تهجّماً عليه ، فما تلكم التهجّمات إلاّ نزعة عناد لا رأي سداد ، إذن فما الذي جعل للقرآن نظماً ووزناً خاصّاً؟ وقد علمنا أنّ وجود الأوزان الشعرية بمفردها مع شيء من التفعيلات لا يمكن لها أن تشكّل نظماً ووزناً لا للقرآن ولا لغيره ، فما هي الصناعة الأدبية في القرآن الكريم؟
ج ـ الصناعة الأدبية بين يدي الإعجاز :
إنّ تظافر أوزان الشعر في كتاب الله مع التفعيلات لا يشكّلان نظماً ووزناً خاصّاً بالقرآن الكريم ، وإنّ الأمر أجلّ وأكبر من ذلك بل أدقّ وأعجب ، فعندما ينكشف لنا هذا السرّ ويناط عنه الستر هناك نرى العجب العجاب في بيان كلام الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ويبدو أنّه أعظم إعجاز في باب الإعجاز البياني للقرآن الكريم والصناعة الفريدة التي لا يمكن لشاعر مهما بلغت قدرته أن يأتي بمثله حتّى ولو كان الإنس والجنّ بعضهم لبعض ظهيراً.
فهلمّ بنا هنا ـ ولمّا بلغ بنا المطاف ، إلى معرفة سرّ خفيّ الألطاف وما علمناه من صناعة الأدب الشعري في اعتمادها على الأوزان والتفعيلات ـ أن نأخذ بعنان علم العروض ونعرضه على القرآن الذي أنزله الرحمن خالق الإنسان ليعلّمه من سحر البيان وفنّه ورقّته ودقّته وعذوبة لحنه وكلماته لنرى كيف انسجمت تلك البحور والتفعيلات في حشو آيات الكتاب لتملأ كلّ