الشعري ، وكذلك ضرب لنا صفيّ الدين الحلّي (ت ٧٥٢هـ) أمثالا على تلكم البحور تسهيلا لمعرفتها ونيلها لهواة الشعر وبغاته ، فليس ما ذكرناه من تطوّر الصناعات الشعرية إلاّ من تلكم البحور ، وليس الشعر الحرّ إلاّ هو من تكسير تلكم الأوزان ، وليس للمقطوعات الأدبية إلاّ وهي مأخوذة من تلكم التفعيلات.
فهذا هو كلّ ما صنعته يد الإنجاز البشري من صناعات شعرية بحيث لم تخرج بكلّ ما جاءت به من تصرّفات من إطار الوزن الشعري المستلهم من تلكم البحور التي قام عليها الشعر العمودي منذ الجاهلية وحتّى يومنا هذا.
إذن فإنّ الصناعة الشعرية إنّما هي قائمة على تلك التفعيلات التي تشكّل لكلّ شعر نظمه ووزنه الخاصّ من البحور الشعرية ، فلا يمكن للشاعر أن يخرج عن إطارها ومدارها مهما تطوّرت صناعة الشعر ، كما لا يمكن للشاعر أن ينظم قصيدة من بحرين ؛ أي أنّه لا يمكن أن تنسجم تفعيلات بحرين في أبيات قصيدة واحدة مهما بلغت قدرة الشاعر من قوّة الفصاحة والبلاغة وأخذه برقاب القوافي وتسلّطه على الأوزان ؛ فإنّ جميع مرتكزاته الذهنية من فصاحة وبلاغة وتراكيب اللفظ والمعنى وملكته الشعرية ومعرفته ببحور الشعر إنّما تصبّ في بحر واحد في إنشاء قصيدة ونظمها ، وعلى سبيل الفرض لو استطاع الشاعر أن يأتي ببحرين ـ أي يجمع بين تفعيلتين في القصيدة الواحدة ـ لأخلّ هذا بشعره فيضحى الشعر لا وزن له كما يخلّ بفصاحته وبلاغته وهذا ما يضحك الثكلى!