اتّضح وبان أنّ كتاب الله قد تظافرت به بحور الشعر وتفعيلاته بحيث لا يمكن لمدّع أن يدّعي أنها جاءت عن غير قصد بل على سبيل الاتّفاق كما يحصل مثله في كلام البشر ؛ لأنّ وجود تلكم الأوزان والتفعيلات أضحت في آيات الكتاب الحكيم جمّة غفيرة بحيث لا يمكن تجاوزها والغضّ عنها فكيف يمكن أن يقال أنّها جاءت على سبيل الاتّفاق ومن غير قصد ، وهذا هو الكتاب يصرّح في خطابه للرسول الأعظم محمّد(صلى الله عليه وآله) (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَدُنْ حَكِيم عَلِيم) فكيف يمكن للحكيم العليم عزّ وجلّ أن تتظافر تلكم الأوزان والبحور في كلامه وآياته وحكمه وبيّناته من متشابهه ومحكماته على سبيل الاتّفاق ومن غير قصد ، وأنّه سبحانه لا يعلمها ولا يعيها؟ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، وأنّا يكون ذلك وهو سبحانه وتعالى يتحدّى فصحاء العرب وبلغاءها ويجاريهم ويباريهم في ميادين البيان أن يأتوا ولو بسورة من مثل سوره! أليس كلّ ذلك دليل على أنّ كتاب الله يحمل بياناً وعلماً وفنّاً فاق علم البشر وبيانهم وفنّهم وصناعتهم.
إذن لنا أن نقول : إنّ الأمر يدور مداره حول الشعر لأنّ الشعر هو الوحيد المحتمل للأوزان والتفعيلات ، وإنّ الشعر العربي هو أقوى صناعة أدبيّة في البيان العربي اهتمّ به العرب فشهدت لهم بذلك محافلها ونواديها وحواضرها وبواديها ووقائعها وعواديها ؛ لما فيه من وزن وقافية تنشدّ إليه الأذهان والطبائع وكلّ حسٍّ مرهف ، ولما يحمله من قوّة الأدب من استعارة ومبالغة ونعت وسائر أصناف وضروب فنون البيان العربي ، هذا مع أنّ القرآن ليس