وهكذا صرت آنس كلّما نظمت شعراً وضمّنت فيه شيئاً من آيات الكتاب ، أو اقتبست معنىً من معاني الآيات القرآنية في الشعر ، وهكذا صرت أستشعر وأزداد يقيناً يوماً بعد يوم أنّ هناك نوع ارتباط بين القرآن الكريم وبين المأثور من أدعية وخطب المعصومين عليهمالسلام ، ولابدّ من أن يكون هذا الارتباط هو نوع ارتباط بعلوم الأدب العربي وذلك لما كنت أدركه من وقع وإيقاع ونغم من كلا الجانبين ـ وإنّما أعني بالنّغَم هو الإيقاع الذي يشعر به المستمع أو الشاعر من الشعر ـ فكان التفكّر والتدبّر بهما والعمل عليهما بشكل دؤوب هو الطريق الوحيد لمعرفة السبب فيها وذلك ما سيأتي خلال البحث في إماطة الستار عن ضرب من ضروب إعجاز القرآن الكريم وسرّ فصاحة وبلاغة أئمّة الهدى وسادة البيان.
وطالما كانت تطرق سمعي أبحاث أو أطّلع عليها بين الفينة والأخرى أنّ آيات القرآن الكريم تحتوي على أوزان الشعر العربي ، واطّلعت على العديد منها حيث أضحى القرآن بين منازع ومدافع ، ولكن كلّما يقال في الدفاع عن كتاب الله هو أنّ القرآن ليس بشعر ؛ لأنّ آيات القرآن لم يكن لها وزن وقافية وإن كانت تحتمل بعضها للأوزان الشعرية وذلك أنّ الشعر يتكوّن من صدر وعجز وقافية تعرف بها أبياته أو القصيدة الشعرية ، وهو جواب مقنع ولا بأس به إلى حدٍّ ما ، ولكن الأمر لا يقتصر على هذا فحسب ؛ بل إنّ للقرآن فنّاً وهندسةً ونسيجاً يحيّر الفِكَرْ وتضطرب لديه العِبَرْ ويطأطي إليه كلّ لبيب من الجنّ والبَشَرْ ، وهو الكتاب الذي لا زال يدعو الهِمَمَ أن يأتوا بمثله