ومنه عليهالسلام ظهر مكنونها ، وعنه
أخذت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ،
ومع ذلك فقد سبق وقصروا ، وتقدم وتأخروا ، ولأن كلامه عليهالسلام الكلام الذي عليه
مسحة من العلم الإلهى ، وفيه عبقة من الكلام النبوي
].
ولقد أنتج لنا اهتمام الشريف الرضى بهذه
المصادر البلاغية ثلاثة كتب من خير ما صنف فى البيان العربي ، لأنها كتب خالصة فى
البلاغة ، صريحة فى البيان ، خالية من المصطلحات البيانية المتأخرة بعد ذلك ، تلك
المصطلحات التي جعلت من البلاغة علما جافا ، وقواعد جامدة ، ونظريات تحفظ ولكنها
لا تخرج بليغا ، ولا تصبّ على قوالبها فصيحا.
وكان كتاب « تلخيص البيان » هو الذي كشف
فيه الرضى عن وجوه البيان فى كتاب الله ، وكتاب « المجازات النبوية » هو الذي
تناول فيه حديث الرسول صلىاللهعليهوسلم
بجلاء عرائسه ، واستخراج نفائسه. أما كتاب « نهج البلاغة » فقد كان كله جمعا لكلام
الإمام على ، ونظما لعقود درره ، وضما لأشتات لآلئه. ولعله ـ لو طال به الأجل رضى
الله عنه ـ لصنع فى كلام على كرم الله وجهه ما صنعه فى حديث الرسول عليهالسلام ، من الكشف عن وجوه
بيانه ، وبيان جمال استعاراته ومجازاته.
والحق أن الشريف الرضى بهذه الكتب الثلاثة
قد استكمل صفات المؤطّد أركان البلاغة العربية ، والداعم أساسها ، والمقيمها على
قرار مكين من المعالجة البيانية الواضحة ، التي لا يحاجزها عن حسن التأتى معاظلة
ولا تعقيد ولا التواء. وتلك يد سلفت
__________________