من الشريف الرضى للبيان العربي ، تجعلنا نعده رائدا كبيرا من رواد البلاغة والفصاحة الذين مهدوا الطريق ـ بتلك الدراسة البلاغية الكاملة للقرآن والحديث ـ لمن جاء بعد من علماء البلاغة النظريين.
ولن نعيد هنا القول فيما لوى به بعض المتعنتين أشداقهم من أن « نهج البلاغة » هو من كلام الشريف الرضى نفسه ، وأنه ليس للإمام على كرم الله وجهه. فتلك قضية أحسن الدفاع فيها « ابن أبى الحديد » فى القديم ، كما أحسن الدفاع عنها فى زماننا هذا الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد (١) .
نعم ! لن نعيد القول فى هذه المسألة ، ولكننا نشير إلى ما ذكره جورجى زيدان (٢) من أن كتاب « نهج البلاغة » هو للشريف المرتضى ـ لا الشريف الرضى ـ مع تطابق الأخبار والآثار على أن النهج هو للرضى. وقد أخذ جورجى زيدان بأوهن القولين فى هذه القضية ، ونقل عن ابن خلكان فى كتابه « وفيات الأعيان » ، ولكنه لم ينقل النص كاملا ، ولا الكلام تاما ، فاجتزأ من النقل بما يوهم أن « نهج البلاغة » للمرتضى ، وعبر عن ذلك بأنه « المشهور » ، مع أنه قول مرجوح. ولو أنصف جورجى زيدان لقال كما قال ابن خلكان : ( وقد اختلف الناس فى كتاب « نهج البلاغة » المجموع من كلام الإمام على ابن أبى طالب رضى الله عنه ، هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضى (٣) ؟ ) .
والحق أن كتابا من كتب الشريف الرضى لم ينل من الاهتمام به ، والتعليق عليه ، وحفظه ، وكثرة الشروح له ما ناله كتاب « نهج البلاغة » الذي جمعه من كلام الإمام
__________________
(١) انظر مقدمة الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد لكتاب « نهج البلاغة » .
(٢) تاريخ آداب اللغة العربية ج ٢ ص ٢٨٨.
(٣) وفيات الأعيان لابن خلكان ، جزء ١ ص ٤٢٣ ، ٤٢٤.