وقد رد على هذه الشبه جماعة من المسلمين ، وكان من أسبقهم إلى ذلك ابن قتيبة الذي يقول فى حرارة : ( ولو كان المجاز كذبا ... كان أكثر كلامنا فاسدا ، لأنا نقول : نبت البقل وطالت الشجرة ، وأينعت الثمرة ، وأقام الجبل ، ورخص السعر ، ونقول كان هذا الفعل منك فى وقت كذا وكذا ، والفعل لم يكن وإنما كوّن ) .
ومن الذين ردوا على هذه الشبه أيضا الإمام جلال الدين السيوطي المتوفى سنة ٩١١ ه حيث يقول : ( وهذه شبهة باطلة ، ولو سقط المجاز من القرآن سقط منه شطر الحسن ، فقد اتفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة ، ولو وجب خلو القرآن من المجاز وجب خلوه من الحذف والتوكيد وتثنية القصص وغيرها ) (١)
ولعل للظاهرية ـ وهم أتباع الإمام داود بن على الظاهري المتوفى سنة ٢٧٠ ه ـ عذرهم فى إنكار المجاز فى القرآن ، لأنهم يتمسكون بظاهر الكتاب والسنة ـ كما يدل على ذلك اسمهم ـ ولهذا لا يأخذون بالمجاز إلا إذا كان مشهورا وكانت القرينة واضحة معلنة عنه ، كاشفة له (٢) . فإذا غمض المجاز أو خفيت القرينة فإنهم لا يأخذون به.
وقد جرى ابن حزم الأندلسى المتوفى سنة ٤٥٦ مجرى داود الظاهري فى الأخذ بالمجاز المشهور الواضح وعدم التأويل فيه ما دام يجرى على سنن الفصيح فى اللغة ، وذلك الظاهر هو الذي كان يفهمه العربي عند قراءة القرآن ، وكان يفهمه الصحابة والتابعون كما يدل عليه ظاهره ، سواء أ كان مجازا أم حقيقة ، فإن المجاز لا يخرج الكلام عن الدلالة الظاهرة الواضحة المبينة ، ما دامت له قرينة واضحة (٣) .
__________________
(١) الإتقان فى علوم القرآن ، للسيوطى طبعة محمود توفيق ، سنة ١٣٥٢ القاهرة. ج ٢ ص ٣٦.
(٢) ابن حزم ـ حياته وعصره. للشيخ محمد أبو زهرة ص ٢٢٦ ، ٢٩٥.
(٣) المصدر السابق ص ٢٢٦.