وقد أودع الإمام السيوطي فى « الإتقان » كثيرا من المجازات والاستعارات القرآنية ، وردها إلى أنواع المجاز اللغوي ـ وهو المجاز فى المفرد لا فى التركيب ـ وبلغت هذه الأنواع عنده عشرين نوعا ، ثم انقسم النوع العشرون ـ وهو إقامة صيغة مقام أخرى ـ إلى أنواع أخر تزيد على العشرين.
على أن هذه الأقسام والأنواع للمجاز والاستعارة لم يتعرض لها الشريف الرضى وهو يكشف عن مجازات القرآن كشفا تطبيقيا بلاغيا ، فإن تلك المسميات والمصطلحات لم تكن قد وضعت أو عرفت بعد فى عصر الشريف ، الذي يقول مثلا فى مجاز قوله تعالى فى سورة يوسف عليهالسلام : ﴿ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها ﴾ [ وهذه استعارة من مشاهير الاستعارات ، والمراد : واسأل أهل القرية التي كنا فيها ] . أما السيوطي فيتكلم عن هذه الآية بطريقة اصطلاحية فى علم البيان فيقول فى خلال حديثه عن أنواع المجازات القرآنية : [ الرابع عشر : إطلاق اسم المحل على الحال نحو : ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾ أي أهل ناديه أي مجلسه ، ومنه التعبير باليد عن القدرة نحو : ﴿ بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ ... وبالقرية عن ساكنيها نحو : ﴿ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ﴾] (١) .
وقد اشتدت حاجة مفسرى القرآن الكريم إلى طائفة من العلوم كان على رأسها ما عرف فى القرن الخامس وما بعده بعلوم البيان والمعاني ، فقد وضعوا لمفسر القرآن شروطا ، وأوجبوا عليه أن يعرف علم اللغة ليعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع ، وأن يعرف علم النحو ، لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب ، وأن يعرف علم الصرف ، فإن الجهل بالصرف قد يفضى إلى الخطأ فى التفسير ، وللإمام الزمخشري هنا كلمة نفيسة فقد قال :
__________________
(١) الإتقان فى علوم القرآن. ج ٢ ص ٣٧.