خذ قوله تعالى فى سورة آل عمران : ﴿ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾ واسمع ما يقوله فيها أبو عبيدة : [ أي لم يلتفتوا إليه. يقال : نبذت حاجتى خلف ظهرك ، إذا لم تلتفت إليها. قال أبو الأسود الدؤلي :
نظرت إلى عنوانه فنبذته |
|
كنبذك نعلا أخلقت من نعالكا ] |
ثم اسمع ما قاله الشريف الرضى فى كتابنا هذا : [ وهذه استعارة. والمراد بها : أنهم غفلوا عن ذكره ، وتشاغلوا عن فهمه ، يعنى الكتاب المنزل عليهم ، فكان كالشيء الملقى خلف ظهر الإنسان ، لا يراه فيذكره ، ولا يلتفت إليه فينظره ] .
الحق أن أبا عبيدة لغوى ، على حين أن الشريف الرضى أديب شاعر مطبوع ! .
وخذ قوله تعالى فى سورة الأنعام : فالق الإصباح وجاعل اللّيل سكنا ، والشّمس والقمر واسمع ما يقول أبو عبيدة هنا : [ منصوبتين ؛ لأنه فرق بينهما وبين الليل المضاف إلى جاعل قوله : سكنا. فأعملوا فيهما الفعل الذي عمل فى قوله : سكنا ، فنصبوهما كما أخرجوهما من الإضافة ] (١) ثم اسمع واقرأ هنا ما كتبه الشريف الرضى : [ وهذه استعارة ، والمعنى شاقّ الصبح ومستخرجه من غسق الليل. وقوله سبحانه : فالق الإصباح ، أبلغ من قوله : شاق الإصباح ، إذ كانت قوة الانفلاق أشد من قوة الانشقاق ، أ لا تراهم يقولون : انشق الظّفر ، وانفلق الحجر. وقوله تعالى : ( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ) استعارة أخرى ، ومعناها على أحد القولين أنه سبحانه جعل الليل بمنزلة الشيء المحبوب الذي تسكن إليه النفوس وتحبه القلوب. يقال : فلان سكن فلان ، على هذا المعنى. والتأويل الأخير يخرج الكلام عن معنى الاستعارة ، وهو أن يكون المراد أنه تعالى جعل الليل مظنة لانقطاع الأعمال ، والسكون بعد الحركات ] .
__________________
(١) مجاز القرآن ، لأبى عبيدة ص ٢٠١.