وقوله سبحانه : ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾ [١١] استعارة أخرى. وفسّر تعالى المراد بالعقبة فقال : فكّ رقبة أو أطعم فى يوم ذى مسغبة [ ١٣ ، ١٤ ] الآية.
وقرئ ﴿ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾ (١) فشبه سبحانه هذا الفعل ـ لو فعله الإنسان ـ باقتحام العقبة ، أي صعودها أو قطعها. لأن الإنسان ينجو بذلك كالناجى من الطريق الشاق ، إذا اقتحم عقبته ، وتجاوز مخافته. وحسن تمثيل هذا الفعل هاهنا بالعقبة لما شبّه سبحانه سبيلى الخير والشر بالنّجدين اللذين هما الطريقان الواضحان والعقاب (٢) إنما تكون فى طريق السالكين ، وسبيل المسافرين. وعليها يكون بهر الأنفاس ، وشدة الضغاط والمراس.
سورة « الضحى »
وقوله تعالى : ﴿ وَالضُّحَىٰ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ﴾ [ ١ ، ٢ ] وهذه استعارة. ومعنى سجى ، أي سكن. والليل لا يسكن ، وإنما تسكن حركات الناس فيه ، فأجرى سبحانه صفة السكون عليه لما كان السكون واقعا فيه. وقد مضى الكلام على نظائر ذلك.
سورة « الانشراح »
وقوله سبحانه : ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ [ ١ ، ٢ ، ٣ ] وهذا القول مجاز واستعارة ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يجوز أن ينتهى عظم ذنبه إلى حال إنقاض الظّهر ، وهو صوت تقعقع العظام من ثقل
__________________
(١) قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي « فك رقبة أو أطعم » على أنها أفعال ماضية وتكون « رقبة » منصوبة على أنها مفعول به للفعل « فك » ، وقرأ الباقون « فك رقبة أو إطعام » على أنهما مصدران. وتكون كلمة « رقبة » مجرورة على أنها مضاف إليه.
(٢) العقاب أي العقبات.