وقوله سبحانه : ﴿ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾ [١٣] وهذه من مكشوفات الاستعارة. والمراد بها العذاب المؤلم ، والنكال المرمض. لأن السّوط فى عرف عادة العرب يكون على الأغلب سببا للعقوبات الواقعة ، والآلام الموجعة.
وقال بعضهم : يجوز أن يكون معنى ﴿ سَوْطَ عَذَابٍ ﴾ أي أوقع عذاب يخالط اللحوم والدماء ، فيسوطها سوطا ، إذا حرّك ما فيها وخلطه. فالسّوط على هذا القول هاهنا مصدر وليس باسم.
ومن سورة « البلد »
وقوله سبحانه ﴿ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا ﴾ [٦] وهذه استعارة. وقد مضى نظير لها. والمراد باللّبد هاهنا المال الكثير الذي قد تراكب بعضه على بعض ، كما تلبّدت طرائق الشّعر ، وسبائخ (١) القطن.
وقد يجوز أن يكون ذلك مأخوذا من قولهم : رجل لبد. إذا كان لازما لبيته لا يبرحه. وبه سمّى نسر لقمان لبدا ، لمماطلته للعمر ، وطول بقائه على الدهر. فكأنه قال : أهلكت مالا كان باقيا لى ، وثابتا عندى.
وقوله سبحانه : ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ، فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾ [ ١٠ ، ١١ ] وهذه استعارة. والمراد بالنّجدين هاهنا الطريقان المفضيان إلى الخير والشر. والنّجد : المكان العالي ، وإنما سمّى تعالى هذين الطريقين بالنجدين ، لأنه بيّنهما للمكلّفين بيانا واضحا ليتّبعوا سبيل الخير ، ويجتنبوا سبيل الشر. فكأنه تعالى بفرط البيان لهما قد رفعهما للعيون ، ونصبهما للناظرين.
__________________
(١) سبائخ القطن : ما تناثر أو انتفش منه. يقال : طارت سبائخ القطن. انظر « المحيط » .