القيامة : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ (١) والدليل على ما قلنا إضافته سبحانه النظر إليها ، والنّظر إنما يصح من أربابها لا منها. لأنه تعالى قال عقب ذلك : ﴿ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ، تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ﴾ (٢) وكذلك قوله تعالى هاهنا : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ ، لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ ﴾ [ ٨ ، ٩ ] والرّضا والسخط إنما يوصف به أصحاب الوجوه.
فانكشف الكلام على الغرض المقصود.
وقوله تعالى : ﴿ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ، لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ﴾ [ ١٠ ، ١١ ] وهذه استعارة. وقد مضت لها نظائر كثيرة جدا فيما تقدم من كلامنا. أي لا تسمع فيها كلمة ذات لغو. فلما كان صاحب تلك الكلمة يسمّى لاغيا بقولها ، سمّيت هى لاغية ، على المبالغة فى وصف اللغو الذي فيها.
وقال بعضهم : معنى ذلك : لا يسمع فيها نفس حالفة على كذب ، ولا ناطقة برفث. لأن الجنة لا لغو فيها ولا رفث ، ولا فحش ولا كذب.
سورة « الفجر »
وقوله سبحانه : ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ﴾ [٤] وهذه استعارة. والمراد بسرى الليل دوران فلكه ، وسيران نجومه حتى يبلغ غايته ، ويسبق فى قاصيته ، ويستخلف النهار موضعه.
وقوله سبحانه : ﴿ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ ﴾ [١٠] وهذه استعارة. والمراد وفرعون ذى الملك المتقرم (٣) والأمر المتوطد ، والأسباب المتمهدة التي استقر بها بنيانه ، وتمكن سلطانه ، كما تنبت البيوت بالأوتاد المضروبة ، والدعائم المنصوبة. وقد مضى نظير ذلك.
__________________
(١) سورة القيامة. الآيتان رقم ٢٢ ، ٢٣.
(٢) سورة القيامة. الآيتان ٢٤ ، ٢٥.
(٣) المتقرم : المتأصل فى السيادة والمجد.