المفعول ، تمييزا له عن غيره من المياه المهراقة ، والمائعات المدفوقة. وهذا واضح لمن تأمّله.
وقوله سبحانه : ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ، وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ [ ١١ ، ١٢ ] وهذه استعارة. والمراد بها صفة السماء بأنها ترجع بدرور (١) الأمطار ، وتعاقب الأنواء ، مرة بعد مرة ، وتعطى الخير حالة بعد حالة.
وقد قيل : إن الرّجع الماء نفسه. وأنشدوا للمتنخل (٢) الهذلي يصف السيف :
أبيض كالرّجع رسوب إذا |
|
ما ثاخ فى محتفل يختلى |
والمراد بالأرض ذات الصّدع : انصداعها عن النبات ، وتشققها عن الأعشاب. وأنشد صاحب « العين (٣) » لبعض العرب :
و جاءت سلتم لا رجع فيها |
|
و لا صدع فتحتلب الرّعاء |
فالرجع : المطر ، والصّدع : العشب ، والسّلتم : السنة المجدبة.
سورة « الغاشية »
وقوله سبحانه : ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ ، عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴾ [ ٢ ، ٣ ] وهذه استعارة.
والمراد بالوجوه هاهنا أرباب الوجوه. ومثل ذلك قوله تعالى : فى السورة التي يذكر فيها
__________________
(١) درت الأمطار درورا : هطلت.
(٢) هو مالك بن عويمر الهذلي ، من أشهر شعراء بنى هذيل. والبيت فى « ديوان الهذليين » ج ٢ ص ١٢. والرجع : الغدير فيه ماء المطر. وثاخ مثل ساخ : أي غاب. والمحتفل : معظم الشيء. ويختلى : يقطع. والرسوب : الذي إذا وقع غمض مكانه لسرعة قطعه.
(٣) هو الخليل بن أحمد الفراهيدى إمام اللغة والأدب وواضع علم العروض ، وكان أستاذا لسيبويه النحوي المشهور ، ولد فى البصرة ومات بها سنة ١٧٠ ه وعاش حياته فقيرا صابرا. قال فيه النضر بن شميل : ما رأى الراءون مثل الخليل ، ولا رأى الخليل مثل نفسه. واشتهر بكتاب « العين » فى اللغة ، وهو لا يزال مخطوطا.