ومن السورة التي يذكر فيها « نوح » عليهالسلام
قوله سبحانه : ﴿ مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [١٣] وهذه استعارة. لأن الوقار هاهنا وضع وضع الحلم مجازا. يقال : رجل وقور. بمعنى حليم.
فأما حقيقة الوقار الذي هو الرزانة والثقل فلا يجوز أن يوصف بها القديم سبحانه ، لأنها من صفات الأجسام ، وإنما يجوز وصفه تعالى بالوقار ، على معنى الحلم كما ذكرنا. والمعنى أنه يؤخر عقاب المذنبين مع الاستحقاق ، إمهالا للتوبة ، وإنظارا للفيئة والرجعة. لأن الحليم فى الشاهد اسم لمن يترك الانتقام عن قدرة. ولا يسمى غير القادر إذا ترك الانتقام حليما ، للعلّة التي ذكرناها. وقوله تعالى : ﴿ لَا تَرْجُونَ ﴾ هاهنا أي لا تخافون. فكأنه سبحانه قال : ما لكم لا تخافون لله حلما ؟ وإنما أخّر عقوبتكم ، إمهالا لكم ، وإيجابا للحجة عليكم. وإلّا فعقابه من ورائكم ، وانتقامه قريب منكم.
وقد جاء فى شعر العرب لفظ الرجاء ، والمراد به الخوف. ولا يرد ذلك إلا وفى الكلام حرف نفى. لا يقال : فلان لا يرجو فلانا بمعنى يخافه ، بل يقال : فلان لا يرجو فلانا. أي لا يخافه. وقال الهذلي أبو ذؤيب (١) :
إذا لسعته الدّبر (٢) لم يرج لسعها |
|
و حالفها فى بيت نوب عواسل (٣) |
أراد : لم يخف لسعها.
__________________
(١) أبو ذؤيب الهذلي : تقدمت الإشارة إليه والترجمة له فى الحديث عن مجازات سورة الزمر.
(٢) الدبر : جماعة النحل والواحدة دبرة.
(٣) فى الأصل « عوامل » والتصويب عن « ديوان الهذليين » ورواية ابن قتيبة فى « تأويل مشكل القرآن » عوامل بالميم كما فى الأصل. ص ١٤٧.