ومن السورة التي يذكر فيها « سأل سائل »
قوله تعالى : ﴿ كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ ، نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ ، تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ ﴾ [١٧] وهذه استعارة. والمراد بدعائها من أدبر وتولّى ـ والله أعلم ـ أنه لما استحقها بإدباره عن الحق صارت كأنها تدعوه إليها ، وتسوقه نحوها. وعلى ذلك قول ذى الرّمة (١) فى صفة الثور :
غدا بوهنين مجتازا لمرتعه |
|
بذي الفوارس تدعو أنفه الرّبب |
والرّبب جمع ربّة ، وهى نبت من نبات الصيف.
يقول لما وجد رائحة الربب مضى نحوها فكأنها دعته إلى أكلها. وقد يجوز أيضا أن يكون المراد بذلك أنها لا يفوتها ذاهب ، ولا يعجزها هارب. فكأنها تدعو الهارب منها فيجيبها ، مدّا له بأسبابها ، وردّا له إلى عذابها.
وقال بعض المفسرين : إنه تخرج عنق من النار ، فتتناول الكافر حتى تقحمه فيها ، فكأنها بذلك الفعل داعية له إلى دخولها.
وقد يجوز أن يكون المراد أنها تدعو من أدبر عن الحق. بمعنى أنها تخوّفه بفظاعة الخبر عنها ، وتغليظ الوعيد بها ، فكأنها تستعطفه إلى الرشد (٢) ، وتستصرفه عن الغى.
وحكى عن المبرّد أنه قال : تدعو من أدبر وتولّى. أي تعذّبه. وحكى عن الخليل أن أعرابيا قال لآخر : دعاك الله. أي عذبك الله. وقال ثعلب : معنى دعاك الله. أي أماتك الله. فعلى هذا القول يدخل الكلام فى باب الحقيقة ، ويخرج عن حيز الاستعارة.
__________________
(١) هو أبو الحارث غيلان بن عقبة. شاعر فحل اشتهر بالتشبيب وبكاء الأطلال ذاهبا مذهب الجاهلين. توفى بأصبهان سنة ١١٧ ه .
(٢) كانت بالأصل : ( الرتبة ) وهى تحريف. فصوبناها على طريق المقابلة مع الغى.