وقال الآخر (١) :
لا ترتجى حين تلاقى الذائدا |
|
أخمسة لاقت معا أو واحدا |
أي لا تخاف. وقال بعض العلماء : إنما كنوا عن الخوف بالرجاء فى هذه المواضع ، لأن الراجي ليس يستيقن ، فمعه طرف من المخافة. وقال بعضهم : الوقار هاهنا بمعنى العظمة وسعة المقدرة. وأصل الوقار ثبوت ما به يكون الشيء عظيما من الحلم والعلم اللذين يؤمن معهما الخرق والجهل.
ومن ذلك قول القائل : قد وقر قول فلان فى قلبى. أي ثبت واستقرّ ، أو خدش وأثر.
وقوله سبحانه : ﴿ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ [١٧] وهذه استعارة. لأن حقيقة الإنبات إنما تجرى على ما تطلعه الأرض من نباتها ، وتخرجه عند ازدراعها. ولما كان سبحانه يخرج البريّة من مضايق الأحشاء ، إلى مفاسح الهواء ، ويدرجهم من الصغر إلى الكبر ، وينقلهم من الهيئات والصور ، كل ذلك على وجه الأرض ، جاز أن يقول سبحانه : ﴿ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ﴾ .
وقال بعضهم قد يجوز أن يكون المراد بذلك خلق آدم عليهالسلام من الطين ، وهو أصل الخليقة. فإذا خلقه سبحانه من طين الأرض كان نسله مخلوقين منها ، لرجوعهم إلى الأصل المخلوق من طينها. فحسن أن يقول سبحانه : ﴿ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ﴾ أي استخرجكم من طين الأرض. ونباتا هاهنا مصدر وقع مخالفا لما يوجبه بناء فعله. وكان الوجه أن يكون : إنباتا. لأنه فى الظاهر مصدر أنبتكم. وقد قيل إن هناك فعلا محذوفا
__________________
(١) لم ينسب فى « أساس البلاغة » لقائله. وروى فى الأساس هكذا :
لا ترتجى حين تلاقى الذائدا |
|
أ سبعة لاقت معا أم واحدا |