أي تكاد أعصابه المتلاحمة تتزايل ، وأخلاطه المتجاورة تتنافى وتتباعد ، من شدة اهتياج غيظه ، واحتدام طبعه. فأجرى سبحانه هذه الصفة ـ التي هى أبلغ صفات الغضبان ـ على نار جهنم لما وصفها بالغيظ ، ليكون التمثيل فى أقصى منازله ، وأعلى مراتبه.
وقوله سبحانه : ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ [١٥] وهذه استعارة. لأن الذّلول من صفة الحيوان المركوب. يقال : بعير ذلول. وفرس ذلول. إذا أمكن من ظهره ، وتصرّف على مراده راكبه.
وضدّ ذلك وصفهم للمركوب المانع ظهره ، والممتنع على راكبه بالصّعب والمصعب.
والمعنى : أنه سبحانه جعل الأرض للناس كالمركوب الذلول ، ممكنة من الاستقرار عليها ، والتصرّف فيها ، طائعة غير مانعة ، ومذعنة غير مدافعة.
والمراد بقوله تعالى : ﴿ فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾ أي فى ظهورها وأعاليها ، وأعلى كلّ شىء منكب له.
وقال بعضهم : معنى ذلك أنه سبحانه لما أصابنا فى بعض الأحيان بالرجفات والزلازل التي لا قرار معها على وجه الأرض ، وخلق الجبال الخشن الملامس ، الصعبة المسالك لتكون للأرض ثقلا ، وللخلق معقلا ، أعلمنا سبحانه أنه لو لا ما أنعم به علينا من تسكين الأرض وتوطئتها ، ونفى الحزونة (١) والوعوث عن أكثرها حتى أمكنت من التصرف على ظهرها ، لما كان عليها مثبت قدم ، ولا مسرح نعم. وقد استقصينا الكلام على ذلك فى كتابنا الكبير.
__________________
(١) الحزونة : غلظ الأرض ، والوعوث : صعوبة الطريق وتعسر السلوك فيه.