بصرك إلى السماء مفكرا فى عجائبها ، ومستنبطا غوامض تركيبها ، يرجع إليك بصرك بعيدا مما طلبه ، ذليلا (١) بفوت ما قدّره.
والخاسئ فى قول قوم : البعيد. من قولهم : خسأت الكلب. إذا أبعدته. وفى قول قوم : هو الذليل (٢) . يقال رجل خاس أي ذليل ، وقد خسى أي خضع وذلّ. والحسير : البعير المعيى ، الذي قد بلغ السير مجهوده ، واعتصر عوده. فتلخيص المعنى أن البصر يرجع بعد سروحه فى طلب مراده ، وإبعاده فى غايات مرامه ، كالّا معيى (٣) ، بعيدا من إدراك بغيته ، خائبا من نيل طلبته.
وقوله سبحانه فى صفة نار جهنم نعوذ بالله منها : ﴿ إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ، تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾ [ ٧ ، ٨ ] الآية.
وفى هذا الكلام استعارتان. إحداهما قوله تعالى : ﴿ سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ﴾ والشهيق : الصوت الخارج من الخوف عند تضايق القلب من الحزن الشديد ، والكمد الطويل. وهو صوت مكروه السماع. فكأنه سبحانه وصف النار بأنّ لها أصواتا مقطعة تهول من سمعها ، ويصعق من قرب منها.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه : ﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ﴾ من قولهم : تغيظت القدر. إذا اشتد غليانها ، ثم صارت الصفة به مخصوصة بالإنسان المغضب. فكأنه سبحانه وصف النار ـ نعوذ بالله منها ـ بصفة المغيظ الغضبان ، الذي من شأنه إذا بلغ ذلك الحد أن يبالغ فى الانتقام ، ويتجاوز الغايات فى الإيقاع والإيلام.
وقد جرت عادتهم فى صفة الإنسان الشديد الغيظ بأن يقولوا : يكاد فلان يتميز غيظا.
__________________
(١) فى الأصل « دليلا » بالدال المهملة وهو تحريف من الناسخ.
(٢) فى الأصل « الدليل » بالدال المهملة ، وهو تحريف.
(٣) الكال : هو الذي أدركه الكلال. والمعيي : هو الذي أدركه الإعياء.