وقوله سبحانه : ﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [٢٢] وهذه استعارة ، والمراد بها صفة من يخبط فى الضلال ، وينحرف عن طريق الرشاد. لأنهم يصفون من تلك حاله بأنه ماش على وجهه. فيقولون : فلان يمشى على وجهه ، ويمضى على وجهه ، إذا كان كذلك.
وإنما شبّهوه بالماشي على وجهه ، لأنه لا ينتفع بمواقع بصره ، إذ كان البصر فى الوجه. وإذا كان الوجه مكبوبا على الأرض كان الإنسان كالأعمى الذي لا يسلك جددا ، ولا يقصد سددا.
ومن الدليل على أن قوله تعالى : ﴿ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ ﴾ من الكنايات عن عمى البصر ، قوله تعالى فى مقابلة ذلك : ﴿ أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا ﴾ لأن السّوىّ ضدّ المنقوص فى خلقه ، والمبتلى فى بعض كرائم جسمه.
ومن السورة التی یذکر فیها « ن والقلم »
قوله سبحانه : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [٤٢] وهذه استعارة. والمراد بها الكناية عن هول الأمر وشدته ، وعظم الخطب وفظاعته. لأن من عادة الناس أن يشمّروا عن سوقهم عند الأمور الصّعبة ، التي يحتاج فيها إلى المعاركة ، ويفزع عندها إلى الدفاع والممانعة. فيكون تشمير الذيول عند ذلك أمكن للقراع ، وأصدق للمصاع.
وقد جاء فى أشعارهم ذكر ذلك فى غير موضع. قال قيس (١) بن زهير بن جذيمة العبسي :
__________________
(١) قيس بن زهير هو صاحب الفرسين : داحس والغبراء وبسببهما قامت الحرب بين عبس وذبيان ودامت أربعين سنة. وتجد أخباره فى « اللسان » و « أيام العرب » و « الشعر والشعراء » و « شعراء النصرانية » وغيرها.