وأحدّ بعد كلال ونبوّ. فهذا معنى قوله سبحانه : ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ .
وقوله تعالى : ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ [٣٠] . وهذه استعارة. لأن الخطاب للنار والجواب منها فى الحقيقة لا يصحان. وإنما المراد ـ والله أعلم ـ أنها فيما ظهر من امتلائها ، وبان من اغتصاصها بأهلها ، بمنزلة الناطقة بأنه لا مزيد فيها ، ولا سعة عندها. وذلك كقول الشاعر : (١)
امتلأ الحوض وقال قطنى |
|
مهلا رويدا قد ملأت بطني |
ولم يكن هناك قول من الحوض على الحقيقة ، ولكن المعنى أن ما ظهر من امتلائه فى تلك الحال جار مجرى القول منه ، فأقام تعالى الأمر المدرك بالعين ، مقام القول المسموع بالأذن.
وقيل : المعنى أنا نقول لخزنة جهنم هذا القول ، ويكون الجواب منهم على حدّ الخطاب. ويكون ذلك من قبيل : ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ (٢) فى إسقاط المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه. وذلك كقولهم : يا خيل الله اركبي. والمراد يا رجال الله اركبي.
وعلى القول الأول يكون مخرج هذا القول لجهنم على طريق التقرير لاستخراج الجواب بظاهر الحال ، لا على طريق الاستفهام والاستعلام. إذ كان الله سبحانه قد علم امتلاءها قبل أن يظهر ذلك فيها. وإنما قال سبحانه هذا الكلام ليعلم الخلائق صحة وعده ، إذ يقول تعالى : ﴿ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾ (٣) . والوجه
__________________
(١) لم أهتد إلى اسم قائل هذا الرجز. وفى « الجامع لأحكام القرآن » ج ١٧ ص ١٨ لم ينسبه لقائله. بل قال : إنه لشاعر.
(٢) سورة يوسف : الآية رقم ٨٢.
(٣) سورة هود. الآية رقم ١١٩.