ومن السورة التي يذكر فيها « ق »
[﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾] [١٦] .... وأراد سبحانه أنه يعلم غيب الإنسان ووساوس إضماره ، ونجىّ أسراره. فكأنه باستبطانه ذلك منه أقرب إليه من وريده. لأن العالم بخفايا قلبه ، أقرب إليه من عروقه وعصبه.
وليس القرب هاهنا من جهة المسافة والمساحة ، ولكن من جهة العلم والإحاطة.
وقوله تعالى : ﴿ جَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ، ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [١٩] وهذه استعارة. والمراد بسكرة الموت هاهنا : الكرب الذي يتغشى المحتضر عند الموت ، فيفقد له تمييزه ، ويفارق معه معقوله. فشبّه تعالى ذلك بالسّكرة من الشراب ، إلا أن تلك السّكرة منعمة ، وهذه السّكرة مؤلمة.
وقوله تعالى : ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ يحتمل معنيين : أحدهما أن يكون جاءت بالحق من أمر الآخرة ، حتى عرفه الإنسان اضطرارا ، ورآه جهارا. والآخر أن يكون المراد ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ هاهنا أي بالموت الذي هو الحق.
وقوله سبحانه : ﴿ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [٢٢] . وهذه استعارة والمراد بها ما يراه الإنسان عند زوال التكليف عنه من أعلام السّاعة ، وأشراط القيامة ، فتزول عنه اعتراضات الشكوك ، ومشتبهات الأمور ، يصدّق بما كذّب ، ويقرّ بما جحد ، ويكون كأنه قد نفذ (١) بصره بعد وقوف ،
__________________
(١) فى الأصل « نفد » بالدال المهملة وهو تحريف فاحش من النساخ لأنه ليس القصد نفاد البصر وضياعه ، بل القصد نفوذه وحدته.