كما يقال : قد أحيا البشر. ولا يقال : أنشر الله النبات ، كما يقال : أنشر الأموات.
وقوله سبحانه : ﴿ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [٢٨] وهذه استعارة. لأن الكلام الذي هو الأصوات المقطّعة ، والحروف المنظومة ، لا يجوز عليه البقاء. وإنما المراد ـ والله أعلم ـ أن إبراهيم عليهالسلام جعل الكلمة التي قالها لأبيه وقومه وهى قوله : ﴿ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ ، إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [ ٢٦ ، ٢٧ ] باقية فى عقبه ، بأن وصّى بها ولده ، وأمرهم أن يتواصوا بها ما تناقلتهم الأصلاب ، وتناسختهم الأدوار. وهذه الكلمة هى (١) كلمة الإخلاص والتوحيد. والله أعلم.
وقوله سبحانه : ﴿ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ﴾ [٤٥] وهذا الكلام أيضا داخل فى قبيل الاستعارة. لأن مسألة الرسل الذين درجت قرونهم وخلت أزمانهم غير ممكنة. وإنما المراد ـ والله أعلم ـ واسأل أصحاب من أرسلنا من قبلك من رسلنا ، أو استعلم ما فى كتبهم ، وتعرّف حقائق سننهم. وذلك على مثال : ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ﴾ (٢) .
وقال بعضهم : مسألة الرسل هاهنا بمعنى المسألة عنهم ، عليهمالسلام ، وعمّا أتوا به من شريعة ، وأقاموه من عماد سنّة. وقد يأتى فى كلامهم : اسأل كذا. أي اطلبه ، واسأل عنه.
قال سبحانه : ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ (٣) أي مسئولا عنه.
__________________
(١) فى الأصل « وهى » والواو زائدة من الناسخ.
(٢) سورة يوسف. الآية رقم ٨٢.
(٣) سورة الإسراء. الآية رقم ٣٤.