كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ، وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ﴾ [٢٠] وهذه استعارة. والمراد بحرث الآخرة والدنيا كدح الكادح لثواب الآجلة وحطام العاجلة ، فهذا من التشبيه العجيب ، والتمثيل المصيب. لأن الحارث المزدرع إنما يتوقع عاقبة حرثه ، فيجنى ثمرة غراسه ، ويفوز بعوائد ازدراعه.
وقيل معنى : ﴿ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ﴾ أي نعطيه بالحسنة عشرا إلى ما شئنا من الزيادة على ذلك. ومن عمل للدنيا دون الآخرة أعطيناه نصيبا من الدّنيا دون الآخرة.
وقوله سبحانه : ﴿ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ، وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [٢٨] وهذه استعارة. وليس المراد أن هناك رحمة كانت مطويّة فنشرت ، وخفيّة فأظهرت. وإنما معنى الرحمة هاهنا الغيث المنزّل لإحياء الأرض ، وإخراج النّبت. ونشره عبارة عن إظهار النفع به ، وتعريف الخلق عواقب المصالح بموقعه.
وقوله تعالى : ﴿ وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ ﴾ [٤٥] وهذه استعارة. وقد أشرنا إليها فيما تقدم لمعنى جرّ ذكرها. والمراد بذلك أن نظرهم نظر الخائف الذليل ، والمرتاب الظّنين. فهو لا ينظر إلا مسترقا ، ولا يغضى إلا مشفقا. وهذا معنى قولهم : فلان لا يملأ عينيه من فلان. إذا وصفوه بعظم الهيبة له ، وشدّة المخافة منه. فكأنهم لا ينظرون بمتّسعات عيونهم ، وإنما ينظرون بشفافاتها (١) . من ذلّهم ومخافتهم.
__________________
(١) لعلها جمع شفافة وهى بقية الشيء.