بمعزل ، وعن العلم بمزجر. وذلك كقول القائل لغيره : قد ألقيت إليك سمعى. أي صرفته إلى حديثك ، ولم أشغله بشيء غير سماع كلامك.
والتأويل الآخر أن يكون السّمع هاهنا بمعنى المسموع ، كما يكون العلم بمعنى المعلوم (١) فيكون التأويل أن الشياطين يلقون ما يدّعون أنهم يستمعونه إلى كل أفاك أثيم ، من أعداء النبي صلّى الله عليه وعلى آله. على طريق الوسوسة واعتماد القدح فى الشريعة. وهذا الوجه يخرج الكلام عن حد الاستعارة.
وقوله سبحانه : ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ [ ٢٢٤ ، ٢٢٥ ] . وهذه استعارة. والمراد بها ـ والله أعلم ـ أن الشعراء يذهبون فى أقوالهم المذاهب المختلفة ، ويسلكون الطرق المتشعبة. وذلك كما يقول الرّجل لصاحبه إذا كان مخالفا له فى رأى ، أو مباعدا له فى كلام : أنا فى واد ، وأنت فى واد. أي أنت ذاهب فى طريق وأنا ذاهب فى طريق. ومثل ذلك قولهم : فلان يهبّ مع كل ريح ، ويطير بكل جناح. إذا كان تابعا لكل قائد ، ومجيبا لكل ناعق.
وقيل إن معنى ذلك تصرّف الشاعر فى وجوه الكلام من مدح وذم ، واستزادة ، وعتب ، وغزل ، ونسيب ، ورثاء ، وتشبيب. فشبّهت هذه الأقسام من الكلام بالأودية المتشعبة ، والسبل المختلفة.
ووصف الشعراء بالهيمان فيه (٢) فرط مبالغة فى صفتهم بالذهاب فى أقطارها ، والإبعاد فى غاياتها. لأن قوله سبحانه : ﴿ يَهِيمُونَ ﴾ أبلغ فى هذا المعنى من قوله : يسعون ، ويسيرون. ومع ذلك فالهيمان صفة من صفات من لا مسكة له ولا رجاحة معه ، فهى مخالفة لصفات ذى الحلم الرزين ، والعقل الرصين.
__________________
(١) فى الأصل. « الملوم » وهو ظاهر التحريف.
(٢) فى الأصل « فيها » وهو تحريف.