ربك أو إلى حكمة ربك
فى مد الظل ، فحذف هذه اللفظة لدلالة الكلام عليها ، إذ كان الله سبحانه لا يدرك
بالمشاعر ، ولا يرى بالنواظر. وقد يجوز أن يكون معنى الرؤية هاهنا معنى العلم.
فكأنه سبحانه قال : ألم تعلم حكمة ربك فى مدّ الظل ؟ وإنما أقام سبحانه الرؤية
هاهنا مقام العلم لتحقّق المخاطب الذي هو النبي صلىاللهعليهوسلم
وجهة الله تعالى فى ذلك الفعل ، فقامت معرفة قلبه مقام رؤية عينه ، قطعا باليقين ،
وبعدا عن الظنون.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ
جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ﴾
وهذه استعارة على القلب. لأن الظل فى الشاهد يدل على الشمس ، وذلك أن الظل لا يكون
إلا وهناك شمس طالعة ، فيوصف ما لم تطلع عليه لحاجز يحجز ، أو مانع يمنع بأنه ظل.
وقد قيل : إن الظل ما كان بالغداة ، والفيء ما كان بالعشيّ. وقيل : إن الظل ما
نسخته الشمس ، والفيء ما نسخ الشمس ، فعلى هذا القول يجوز أن يكون معنى قوله تعالى
: ﴿
وَلَوْ
شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ﴾
أي دائما لا ترد الشمس عليه فتزيله وتذهب به ، ثم جعلنا الشمس عليه دليلا. أي
دللناها عليه ، فهى تتحيّف من أقطاره ، وتنتقص من أطرافه ، حتى تستوفى أجمعه ،
وتكون بدلا منه. فهذا معنى قوله تعالى : ﴿
ثُمَّ
قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا ﴾
[٤٦] .
ويجوز أن يكون معنى دلالة الشمس على
الظل أنه لو لا الشمس لم يعرف الظل. ويجوز أن يقول : لو لا الظل لم تعرف الشمس.
وقوله سبحانه : ﴿ وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ
النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ [٤٧] . وفى هذه
الآية استعارتان. فإحداهما قوله تعالى : ﴿
وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا ﴾ . والمراد باللباس
هاهنا ـ والله أعلم ـ تغطية ظلام الليل النّشوز والقيعا [ ن
، و] أشخاص الحيوان كما تغطّى الملابس الضّافية ، وتستر الجنن الواقية. وهذه
العبارة من أفصح العبارات عن هذا المعنى.
__________________