ومعنى السّبات : قطع الأعمال ، والرّاحة من الأشغال. والسّبت فى كلامهم : القطع.
والاستعارة الأخرى قوله تعالى : ﴿ وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا ﴾ والنشور فى الحقيقة : الحياة بعد الموت. وهو هاهنا مستعار الاسم لتصرّف الحىّ وانبساطه ، تشبيها للنوم بالممات ، واليقظة بالحياة. وذلك من أوقع التشبيه ، وأحسن التمثيل.
وقوله سبحانه : ﴿ لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا ﴾ [٤٩] وهذه استعارة. وقد مضت الإشارة إلى نظيرها فى ( الأعراف ) (١) .
ووصف البلدة بالموت هاهنا محمول على أحد وجهين : إما أن تكون إنما شبّهت بالميت من فرط يبسها ، لتسلّط المحل عليها ، وتأخر الغيث عنها. أو يكون فيها من النبات والشجر لما مات لانقطاع الماء عنه حسن أن توصف هى بالموت لموت بنيها ، لأنها كالأم التي تكلفه ، والظّئر التي ترضعه.
وقوله سبحانه : ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾ [٥٣] وهذه استعارة. والمراد بذلك ـ والله أعلم ـ أنه خلّاهما من مذاهبهما ، وأرسلهما فى مجاريهما ، كما تمرج الخيل أي (٢) تخلّى فى المروج مع مراعيها.
فكان وجه الأعجوبة من ذلك أنه سبحانه مع التخلية بينهما فى تقاطعهما ، والتقائهما فى مناقعهما ، لا يختلط الملح بالعذب ، ولا يلتبس العذب بالملح.
__________________
(١) وهى فى الأوراق المفقودة من الكتاب.
(٢) فى الأصل « أن » وهو تحريف من الناسخ.