وقوله تعالى : ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ [٢٤] وهذه استعارة. لأن المقيل من صفات المواضع التي ينام فيها ، ولا نوم فى الجنة. وتقدير الكلام : وأحسن موضع قائلة. فكأن ذلك المكان من وثارة مهاده ، وبرد أفيائه ، يصلح أن ينام فيه لو كان ذلك جائزا. وهذا كقوله سبحانه فى ذكر أصحاب الجنة : ﴿ وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ﴾ (١) أي مثل أوقات البكرة والعشىّ المعهودين فى حال الدنيا. لأن الجنة لا يوصف زمانها بالأيام والليالى ، لأن ذلك من صفات الزمان الذي تتعاقب عليه الشمس طالعة وغاربة ، فيسمّى نهارا بطلوعها ، ويسمّى ليلا بقبوعها (٢)
وقوله سبحانه : ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا ﴾ [٢٥] . وهذه استعارة. والمراد بها ـ والله أعلم ـ على أحد القولين صفة السماء فى ذلك اليوم بتعاظم الغمام فيها ، وانتشاره فى نواحيها. كما يقول القائل : قد تشققت الغمائم بالبرق ، وتشققت السحاب بالرعد. إذا كثر ذلك فيها. ليس أن هناك تشققا على الحقيقة ، فى قول أهل الشرع. وقيل أيضا : إن المراد بذلك انتقاض بنية السماء وتغيرها إلى غير ما هى عليه الآن ، كما تظهر فى البناء آثار التداعي ، وأعلام التهافت ، من تثلّم أطراف ، وتفطّر أقطار ، فيكون ذلك مؤذنا بانقضاضه ، ومنذرا بانتقاضه.
وقال سبحانه : ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ﴾ (٣) .
وقال تعالى : ﴿ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ (٤) . ويكون انتقاض
__________________
(١) سورة مريم. الآية رقم ٦٢.
(٢) القبوع : الاختفاء ومنه : قبع النجم أي ظهر ثم خفى.
(٣) سورة إبراهيم. الآية رقم ٤٨.
(٤) سورة الأنبياء. الآية رقم ١٠٤ وقد سبق الحديث عن قراءة « للكتاب » و « للكتب » بالمفرد والجمع ، فى سورة الأنبياء.