لا يوصف بحقيقته إلا الناس. والزفير قد يشترك فى الصفة به الإنسان وغير الإنسان. وإنما المراد بهاتين الصفتين المبالغة فى وصف النار بالاهتياج والاضطرام ، على عادة المغيظ والغضبان.
وقوله تعالى : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ [٢٣] وهذه استعارة. لأن صفة القدوم لا تصح إلا على من تجوز عليه الغيبة ، فتجوز منه الأوبة. والله سبحانه شاهد غير غائب ، وقائم غير زائل. فالمعنى : وقصدنا إلى ما عملوا ، أو عمدنا إلى ما عملوا. وذلك كقول القائل : قام فلان بفلان فى الناس. إذا أظهر ذمه وعيبه ، وليس يريد أنه نهض عن قعود ، وتحفّز بعد استقرار وسكون ، وإنما يريد أنه قصد إلى سبّه ، وتظاهر بثلبه. وقال الشاعر : (١)
فإنّ أباكم تارك ما سألتموا |
|
فمهما أتيتم فاقدموه على علم |
يقال : قدمت هذا الأمر. وأنا أقدمه. إذا أتيته وقصدته. وقد ذكر بعض العلماء فى ذلك وجها آخر. قال : إنما قال سبحانه : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ ﴾ لأنه عاملهم معاملة القادم من غيبة. أو كان ـ بطول إمهاله لهم ـ كالغائب عنهم ثم قدم ، فرآهم على خلاف ما أمرهم به ، واستعملهم فيه ، فأحبط أعمالهم الفاسدة ، وعاقبهم عقاب العاند عن الطاعة ، المرتكس فى الضّلالة. والمعتمد على القول الأول.
وقوله تعالى : ﴿ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ﴾ [٢٣] مجاز آخر. وذلك أنه لم يجعل عملهم على الحقيقة هباء منثورا ، وهو الغبار الدقيق هاهنا. ومنه الهابى. وإنما أراد سبحانه أنه أبطل ذلك العمل فعفا رسمه ، وسقط حكمه ، وبطل بطلان الغبار المحق ، والغثاء المتفرق.
__________________
(١) لم أعثر على اسم صاحب هذا البيت فى كثير من المراجع.