ومن السورة التي يذكر فيها « الفرقان »
قوله تعالى : ﴿ إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ﴾ [١٢] وفى هذه الآية استعارتان. إحداهما قوله سبحانه : ﴿ إِذَا رَأَتْهُم ﴾ وهو فى صفة نار جهنم ، نعوذ بالله منها ، ولا تصحّ صفة الرّؤية عليها. وإنما المراد ـ والله أعلم ـ إذا كانت منهم بمقدار مسافة لو كان بها من يوصف بالرؤية لرآهم. وهذا من لطائف التأويل ، وغرائب التفسير.
وقد يجوز أيضا أن يكون معنى ذلك : إذا قربت منهم ، وظهرت لهم. من قولهم : دور بنى فلان تتراءى. أي تتقارب. وفى الحديث : لا تتراءى نارا هما (١) أي لا تتدانى.
والاستعارة الأخرى قوله سبحانه : ﴿ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ﴾ وهاتان الصفتان من صفات الحيوان ، ويختص التغيظ بالإنسان ، لأن الغيظ من أعلى منازل الغضب ، والغضب
__________________
(١) الحديث بأكمله فى « صحيح أبى داود » الجزء الأول. باب على ما يقال المشركون ، كتاب الجهاد. ص ٢٦١ ونصه : ( حدثنا هناد بن السرى ثنا أبو معاوية عن إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله. قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سرية إلى خثعم فاعتصم ناس منهم بالسجود ، فأسرع فيهم القتل قال : فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم ، فأمر لهم بنصف العقل ، وقال : أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، قالوا يا رسول الله لم ؟ قال : لا تراءى ناراهما )
وفى سنن النسائي ج ٢ ص ٢٤٥ جاء هذا الحديث فى باب القود بغير حديدة. كتاب القسامة. وقد أورد المؤلف هذا الحديث فى كتابه « المجازات النبوية » وتحدث عما فيه من مجاز حديثا رائعا. صفحة ٢٠٠ من المجازات النبوية. طبعة القاهرة سنة ١٣٥٦ سنة ١٩٣٧ ، وجاء هذا الحديث فى « لسان العرب » وفسره صاحب اللسان ثم قال : وقال أبو عبيد : معنى الحديث أن المسلم لا يحل له أن يسكن بلاد المشركين ، فيكون معهم بقدر ما يرى كل واحد منهم نار صاحبه.