إمّا أن يكون ذلك رجوعا فى الدنيا. فيكون المعنى : أنهم وإن اختلفوا فى الاعتقادات صائرون إلى الإقرار بأن الله سبحانه خالقهم ورازقهم ، ومصرفهم ومدبرهم. أو يكون ذلك رجوعا فى الآخرة ، فيكون المعنى أنهم راجعون إلى الدار التي جعلها الله تعالى مكان الجزاء على الأعمال ، وموفّى الثواب والعقاب ؛ وإلى حيث لا يحكم فيهم ، ولا يملك أمرهم إلا الله سبحانه.
وشبّه تخالفهم فى المذاهب ، وتفرقهم فى الطرائق ، مع أن أصلهم واحد ، وخالقهم واحد ، بقوم كانت بينهم وسائل متناسجة ، وعلائق متشابكة ، ثم تباعدوا تباعدا قطع تلك العلائق ، وشذب تلك الوصائل ، فصاروا أخيافا (١) مختلفين ، وأوزاعا (٢) مفترقين.
وقوله سبحانه : ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [٩٨] هذه استعارة. لأن الحصب هو ما يرمى به من الحصباء ، وهى الحصا الصغار. يقال : حصب فلان فلانا. إذا قذفه بالحصا. ويقولون : حصبنا الجمار. أي قذفنا فيها بالحصبات (٣) . فشبّه سبحانه قذفهم فى نار جهنم بالحصباء التي يرمى بها. من ذلّ مقاذفهم ، وهوان مطارحهم.
وفى ذلك أيضا معنى لطيف ، وهو أنه سبحانه لما قال : ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ والمراد هاهنا ـ والله أعلم ـ بما تعبدون : الأصنام ، والأغلب
__________________
(١) الأخياف : المختلفون. يقال : هم إخوة أخياف ، أي أمهم واحدة والآباء شتى.
(٢) الأوزاع : الجماعات. ولا واحد لها.
(٣) فى الأصل « بالحصيات » بالياء المثناة التحتية. وهو تحريف ، والصواب بالحصبات. بالباء الموحدة التحتية.