الكلام من حد الاستعارة. وهو أن يكون قوله تعالى : ﴿ يُسَبِّحْنَ ﴾ هاهنا مأخوذا من التسبيح ، وهو الإبعاد فى السير ، والتصرف فى الأرض. لا من التسبيح. فكأنه تعالى قال : وسخّرنا مع داود الجبال يسرن فى الأرض معه ، ويتصرفن على أمره ، طاعة له. ونظير ذلك قوله سبحانه فى « سبأ » : ﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ﴾ (١) أي سيرى معه. والتأويب السير.
وإنما قال تعالى : ﴿ يُسَبِّحْنَ ﴾ عبارة عنها بتكثير الفعل من السّبح.
وقال سبحانه : ﴿ إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا ﴾ (٢) أي تصرفا ومتسعا. ومجالا ومنفسحا.
وقوله سبحانه : ﴿ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ، فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ﴾ [٩١] . وهذه استعارة. والمراد هاهنا بالروح : إجراء روح المسيح عليهالسلام فى مريم عليهاالسلام ، كما يجري الهواء بالنفخ. لأنه حصل معها من غير علوق من ذكر ، ولا انتقال من طبق إلى طبق. وأضاف تعالى الروح إلى نفسه ، لمزية الاختصاص بالتعظيم ، والاصطفاء بالتكريم. إذا كان خلقه المسيح عليهالسلام ، من غير توسط مناكحة ، ولا تقدم ملامسة.
وقوله سبحانه : ﴿ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ، كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾ [٩٣] . وهذه استعارة. والمراد بها : أنهم تفرقوا فى الأهواء ، واختلفوا فى الآراء ، وتقسمتهم المذاهب ، وتشعبت بهم الولائج (٣) . ومع ذلك فجميعهم راجع إلى الله سبحانه ، على أحد وجهين :
__________________
(١) سورة سبأ. الآية رقم ١٠.
(٢) سورة المزمل. الآية رقم ٧.
(٣) الولائج : جمع وليجة ، وهى بطانة الإنسان ومن يتخذه معتمدا عليه من غير أهله.