يقال : نفح فلان فلانا بيده. ونفح الفرس فلانا بحافره. إذا أصابه إصابة خفيفة ، ولم يبلغ فى إيلامه الغاية. فكأن النفحة هاهنا قدر يسير من العذاب ، يدل واقعه على عظيم متوقعه (١) ، [ و] شاهده على فظيع غائبه.
وقوله سبحانه : ﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ، لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ ﴾ [٦٥] وهذه استعارة. والمراد بها وصف ما لحقهم من الخضوع والاستكانة والإطراق عند لزوم الحجة ، فكأنهم شبّهوا بالمتردي على رأسه ، تدويخا بنصوع البيان ، وإبلاسا عند وضوح البرهان.
وقوله سبحانه : ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ، إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾ [٧٤] ولفظ القرية هاهنا مستعار. والمراد به الجماعة التي كانت تعمل الخبائث من أهل القرية. وكشف سبحانه عن ذلك بقوله : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾ وفى هذا الكلام خبر عجيب ، لأنه تعالى جعل ما يلى لفظ القرية مؤنثا ، إذ كانت مؤنثة ، فقال : ﴿ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ﴾ . وجعل بقية الكلام مذكرا ، فقال : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾ لأن المراد به مذكر ، فصار الكلام فى الآية على قسمين : قسم عائد إلى اللفظ ، وقسم عائد على المعنى. وهذا من عجائب القرآن.
وقوله سبحانه : ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ، وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [٧٩] ويسبح هاهنا استعارة. وقد مضى من الكلام فى « الرعد » على قوله تعالى : ﴿ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ﴾ (٢) ما هو بعينه تأويل تسبيح الجبال هاهنا. وقد قيل فى ذلك وجه آخر يخرج به
__________________
(١) فى الأصل بدون واو. وقد أثبتناها بين حاصرتين ، لأن بها يستقيم نسق الكلام.
(٢) سورة الرعد الآية رقم ١٣.