يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ : [ وهذه استعارة ، والمراد بها ـ والله أعلم ـ أن الشعراء يذهبون فى أقوالهم المذاهب المختلفة ، ويسلكون الطرق المتشعبة ، وذلك كما يقول الرجل لصاحبه إذا كان مخالفا له فى رأى ، أو مباعدا له فى كلام : أنا فى واد وأنت فى واد. أي أنت ذاهب فى طريق ، وأنا ذاهب فى طريق. ومثل ذلك قولهم : فلان يهبّ مع كل ريح ، ويطير بكل جناح ، إذا كان تابعا لكل قائد ، ومجيبا لكل ناعق. وقيل إن معنى ذلك تصرّف الشاعر فى وجوه الكلام من مدح ، وذم ، واستزادة ، وعتب ، وغزل ، ونسيب ، ورثاء ، وتشبيب. فشبهت هذه الأقسام من الكلام بالأودية المتشعبة ، والسبل المختلفة.
ووصف الشعراء بالهيمان فيه فرط مبالغة فى صفتهم بالذهاب فى أقطارها ، والإبعاد فى غاياتها. لأن قوله سبحانه : يهيمون ، أبلغ فى هذا المعنى من قوله : يسعون أو يسيرون. ومع ذلك فالهيمان صفة من صفات من لا مسكة له ، ولا رجاحة معه. وهى مخالفة لصفات ذى الحلم الرزين ، والعقل الرصين ] .
فالعبارة هنا أنيقة ، وفيها ضرب من المزاوجة التي يعرفها كل من قرأ للشريف كتابه فى المجازات النبوية ، أو قرأ له بعض ما نشر من رسائله.
على أن قارئ المجازات النبوية ، وقارئ مجازات القرآن هنا يجد أن القلم الذي جرى هنا هو بعينه الذي جرى هناك ، وأنهما جميعا ينبعان من معين واحد ، هو ذلك الفيض البليغ الذي كان يقطر به قلم الشريف شعرا أو نثرا. فإن فى أسلوبه من العلو ما يناسب علو نسبه ، لأن من خصه الله بهذا النسب النبوي الكريم يأبى أن يميل عن مستوى العلو فيما يأخذ بسبيله من قول أو فعل.
على أن النّفس فى مجازات القرآن والمجازات النبوية يكاد من لطفه وروحه ووحدة متنفّسه يدل على أن الكتابين لكاتب واحد. فلا تجد فى أي من الكتابين ضربا من