المعاظلة أو التفهيق أو التعقيد أو ما إليها مما يعيب القول وقائله ... ولكنك واجد فيهما من الأدب وحسن الذوق ولطف النقد وسلامة المنهج ، ونصوص البيان وكثرة الاستشهاد وتطبيقه المحزّ ما يدل على مقام المؤلف ومنزلته من البلاغة ، وموضعه من الفصاحة. ولو كنت لا تعرف أن الشريف الرضى شاعر من الفحول العباقرة لجزمت بأن مؤلف هذين الكتابين لا بد أن يكون شاعرا ... فإن الرقة فى معالجة موضوع المجازات النبوية والقرآنية لا تصدر إلا عن شاعر رقيق. إلا أنها رقة مازجها العلم الغزير ، وصاحبتها المعرفة الأدبية ، وناصرها الفقه الإسلامى ، وظاهرها النحو واللغة ، فاجتمع من ذلك كله قوام معتدل سليم لكتابين سيظلان على مدى الدهور مفتاحا لبلاغة القرآن والحديث النبوي ، من حيث اشتمالهما على أبدع الاستعارات وأعجب المجازات.
والآن وقد فرغنا من صحة انتساب هذا المخطوط إلى الشريف الرضى ، فقد يقول قائل : وما أدراكم أن هذا المخطوط هو كتاب « تلخيص البيان فى مجازات القرآن » ؟ فقد يكون كتابا آخر للشريف الرضى غير التلخيص. ونحن نقول للمعترض : على رسلك ! فإن كتب الشريف الرضى معروفة ، ما طبع منها وما لم يطبع ، وقد ذكروا له فى كتب الدراسات القرآنية كتاب « حقائق التأويل فى متشابه التنزيل » وكتاب « معانى القرآن » وكتاب « تلخيص البيان فى مجازات القرآن » . وقد طبع « حقائق التأويل » فى النجف ، وكتب الشيخ عبد الحسين الحلي النجفي (١) ترجمة للشريف الرضى صدر بها الجزء الخامس من هذا التفسير المطبوع. أما « معانى القرآن » فلم يطبع ، ويجوز أن يكون هو بعينه كتاب « حقائق التأويل » فاختلط أمره على مترجميه وكتاب سيرته. فلم يبق إلا كتاب « تلخيص البيان فى مجازات القرآن » وهو هذا الكتاب الذي بين يديك ، وفيه من الحديث عن استعارات القرآن الكريم ما يقطع بكونه كتاب الشريف الرضى فى مجازات القرآن.
__________________
(١) وهو غير الشيخ عبد الحسين أحمد الأمينى النجفي العالم المعاصر الذي ألف موسوعة « الغدير » ، وقد ظهر منها إلى الآن تسعة أجزاء فى طبعة العراق ، ومثلها من طبعة إيران.