التعديل والتجوير ، أنه لو لم يكن الأمر على ما قلناه فى إغفال القلب من أن المراد بذلك مصادفته غافلا ، وكان على ما قاله الخصوم من أنه تعالى صدف به عن أمره ، وصرفه عن ذكره لوجب أن يقول سبحانه : فاتّبع هواه. لقول القائل : أعطيته فأخذ ، وبسطته فانبسط ، وأكرهته فأذل. أي كانت هذه الأفعال منه مسببة عن أفعالى به. لأن هذا وجه الكلام فى الأغلب الأعرف. فلما جاء بالواو صار كأنه قال : ولا تطع من غفل قلبه عن ذكرنا واتبع هواه. لأنه إذا وجد غافلا فهو الذي غفل ، والفعل حينئذ له ومنسوب إليه.
وقوله سبحانه : ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ، وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾ [٢٩] . وفى هذه الآية استعارتان : أولاهما قوله تعالى : ﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ والسرادق هو الفسطاط المحيط به. فوصفه (١) ـ سبحانه ـ النار بالإحاطة والاشتمال فلا ينجو منها ناج ، ولا يطلق منها عان. وذلك كقوله تعالى : ﴿ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ﴾ (٢) . أي حبسا تحصرهم ، وطولا تقصرهم ، ومثل قوله سبحانه ﴿ أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ﴾ قوله : ﴿ إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ، فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ﴾ (٣) والمؤصدة : المغلقة المطبقة. من قولهم أوصدت الباب وأصّدته (٤) . إذا أغلقته وأطبقته. وقرئ : عمد وعمد.
والمراد بقوله سبحانه : ﴿ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ ﴾ مثل المراد فى قوله : ﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾
__________________
(١) هكذا بالأصل. وهو تحريف من الناسخ صوابه « فوصف » .
(٢) سورة الإسراء. الآية رقم ٨.
(٣) سورة الهمزة الآيتان ٨ ، ٩.
(٤) ويقال أيضا آصد الباب على وزن أفعل مثل أصد بالتضعيف.