وقوله سبحانه : ﴿ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ، وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ﴾ [٤٦] . وهذه استعارة. لأنه ليس هناك على الحقيقة كنان على قلب ، ولا وقر فى سمع. وإنما المراد أنهم ـ لاستثقالهم سماع القرآن عند أمر الله سبحانه نبيه عليهالسلام بتلاوته على أسماعهم وإفراغه فى آذانهم ـ كالذين على قلوبهم أكنّة دون علمه ، وفى آذانهم وقر دون فهمه ، وإن كانوا من قبل نفوسهم أتوا ، وبسوء اختيارهم أخذوا. ولو لم يكن الأمر كذلك لما ذمّوا على اطراحه ، ولعذروا بالإضراب عن استماعه.
وقوله سبحانه : ﴿ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ ﴾ [٤٧] وهذه استعارة لأن النّجوى مصدر كالتقوى. وإنما وصفوا بالمصدر ، لما فى هذه الصفة من المبالغة فى ذكر ما هم عليه ، من كثرة تناجيهم ، وأسرار المكايد بينهم. والصفة بالمصادر تدلّ على قوة الشيء الموصوف بذلك. مثل قولهم : رجل رضا ، وقوم عدل. وما يجرى هذا المجرى.
وقوله سبحانه : ﴿ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً ﴾ [٥٩] . وهذه استعارة. والمعنى : جعلنا الناقة آية مبصرة. أي مبصرة للعاشى (١) . ومذكّرة للناسى ، ومظنة لاعتبار المعتبر ، وتفكر المفكر. لأن من عجائب تلك الناقة تمخض الصخرة بها من غير حمل بطن ، ولا فرع فحل. وأنها كانت تقاسم ثمود الورد ، فلها يوم ولثمود يوم.
قال سبحانه : ﴿ لَّهَا شِرْبٌ ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ (٢) فإذا كان يومها
__________________
(١) العاشى : اسم فاعل من عشا عن الشيء ، أي أعرض وصدر عنه إلى غيره.
(٢) سورة الشعراء الآية رقم ١٥٥.