شربت فيه الماء ، مثلما كانت ثمود تأخذ أشقاصها (١) وزروعها ، وأصرامها (٢) وشروبها. وهذا من صوادح العبر ، وقوارع النذر.
وقال بعضهم : يجوز أن يكون معنى مبصرة هاهنا أي ذات إبصار. والتأويلان يؤولان إلى معنى واحد.
وقوله سبحانه عن إبليس : ﴿ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [٦٢] وهذه استعارة على بعض التأويلات فى هذه الآية. وهو أن يكون الاحتناك هاهنا افتعالا من الحنك. أي لأقودنهم إلى المعاصي ، كما تقاد الدابة بحنكها ، غير ممتنعة على قائدها. وهى عبارة عن الاستيلاء عليهم ، والملكة لتصرفهم ، كما يملك الفارس تصرّف فرسه ، بثني العنان تارة ، وبكبح اللجام مرة.
وقال يعقوب (٣) فى « إصلاح المنطق » : [ يقال : حنك الدابة يحنكها حنكا ، إذا شدّ فى حنكها الأسفل حبلا يقودها به. وقد احتنك الدابة (٤) مثل حنكها ] إذا فعل بها ذلك.
وقال بعضهم : لأحتنكنّ ذرّيّته. أي لألقينّ فى أحناكهم حلاوة المعاصي ، حتى يستلذوها ، ويرغبوا فيها ويطلبوها. والقول الأول أحبّ إلىّ.
__________________
(١) الأشقاص : جمع شقص بكسر الشين ، وهو القطعة من الشيء أو من الأرض.
(٢) الأصرام : جمع صرم بكسر الصاد ، وهو الجماعة من الشيء أو من البيوت.
(٣) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق ، المعروف بابن السكيت ، وكان أبوه من أصحاب الكسائي المشهور فى اللغة والنحو. أما صاحبنا فقد شهد له المؤرخون بالعلم الغزير فى اللغة والشعر والثقة فى الرواية. وكتابه « إصلاح المنطق » يقول فيه المبرد : « ما رأيت للبغداديين كتابا أحسن من كتاب يعقوب بن السكيت فى المنطق » . توفى سنة ٢٤٤. وقد طبع « إصلاح المنطق » طبعة موثقة بتحقيق الأستاذين أحمد محمد شاكر ، وعبد السلام محمد هارون.
(٤) فى « إصلاح المنطق » ص ٨٢ ( وقد احتنك دابته ) .